كشف مصدر في مفوضية الانتخابات العراقية، أن السبب الرئيس وراء إلغاء استخدام الحبر الانتخابي في الانتخابات المقبلة، جاء تحسباً من مضايقات قد يتعرض لها المشاركون؛ بسبب توسع نسبة المقاطعة.
وأوضح المصدر، الذي طلب حجب اسمه، أن القرار "ليس تقنياً بحتاً كما جرى الإعلان، بل جاء تحسباً من استخدام الحبر كأداة تمييز واستهداف في بعض الدوائر ذات الحساسية السياسية".
وأشار إلى أن "بعض الناخبين اشتكوا من تعرضهم للسخرية أو التنمر أو حتى التهديد بعد خروجهم من مراكز الاقتراع وقد بدا على أصابعهم أثر الحبر، ما أثار حفيظة المفوضية ودفعها إلى مراجعة هذا الإجراء".
وأضاف أن "المفوضية اختارت تمرير القرار بغطاء تقني – إداري، معلنةً أن التطور في استخدام البطاقة البايومترية يغني عن الحاجة للحبر، لكن الحقيقة أن المناخ الانتخابي المشحون، وتاريخ الخلاف بين أنصار القوى السياسية، كان له دور أساسي في إعادة النظر بوسائل التعريف المادية بالناخب".
رفض تركماني
وأثار هذا القرار ردود فعل متباينة، إذ رحّب به مختصون كخطوة نحو تقليل التكاليف وتحديث الإجراءات، بينما اعتبره آخرون مقدمة للتلاعب بالنتائج.
وقالت الجبهة التركمانية في بيان، إن "إلغاء الحبر يفتح الباب أمام التزوير، خاصة في المناطق المختلطة مثل كركوك"، وطالبت باستثناء المحافظة من القرار، مؤكدة أنها ستلجأ إلى القضاء في حال لم تتراجع المفوضية عن قرارها.
وأوضح نائب رئيس الحركة القومية التركمانية، عباس أوغلو، في تصريح صحفي، أن "المبررات التقنية غير كافية، والمفوضية مطالبة بإثبات أن أجهزتها غير قابلة للاختراق"، مشيراً إلى أن "ما جرى في انتخابات 2018 و2021 من خروقات وتعطّل للأجهزة، يجعل أي قرار بتقليل أدوات الرقابة محل تشكيك".
بدوره، أكد عضو الفريق الإعلامي لمفوضية الانتخابات، مهند الصراف، أن "الحبر لم يعد ضرورياً بعد اعتماد البطاقة البايومترية التي تعتمد على المطابقة الثلاثية لبصمة الوجه والعين والأصابع"، لافتاً إلى أن المفوضية أضافت كاميرا حديثة إلى جهاز التحقق، وتم تحديث البيانات البيومترية للناخبين.
وبيّن الصراف في تصريحات صحفية، أن "الحبر الانتخابي يُعد مادة كيميائية مكلفة، وتحتاج إلى ترتيبات لوجستية خاصة من حيث النقل والتخزين، وهي لا تتماشى مع طبيعة التصويت الإلكتروني الحديث"، مشدداً على أن "كل المؤشرات تؤكد أن استخدام الحبر بات إجراء غير ذي جدوى فنياً أو أمنياً".
مضايقات متكررة
وشكا نواب ومرشحون من تعرض جمهورهم خلال الانتخابات المحلية 2023 لمضايقات متكررة في بعض مراكز الاقتراع، خاصة تلك الواقعة ضمن مناطق تُعد تقليدياً حواضن انتخابية للتيار الصدري الذي يقاطع الانتخابات المقبلة.
ويقول هؤلاء إن ناخبيهم واجهوا حملات ترهيب لفظي أو سخرية علنية بسبب مشاركتهم في الاقتراع، خصوصاً عندما يُميَّزون بسهولة من خلال الحبر الانتخابي على أصابعهم، الأمر الذي دفع بعضهم إلى المطالبة بتوفير حماية أمنية أو إجراءات تضمن سرية التصويت ومنع استهداف الناخبين في المناطق ذات الحساسية السياسية.
من جانبه، قال الخبير في الشأن الانتخابي هوكر جتو، إن "إلغاء الحبر الانتخابي خطوة سليمة من حيث المبدأ؛ لأن الغاية الأساسية منه كانت منع تكرار التصويت، وهذه الوظيفة باتت مؤمنة بالكامل عبر البطاقة البايومترية التي لا تسمح لأي ناخب بالتصويت أكثر من مرة".
وأضاف، أن "القرار يُسهم في تقليل استخدام المواد الحساسة وتوفير الوقت، كما يمنح خصوصية أكبر لبعض الفئات مثل العسكريين أو منتسبي الأجهزة الأمنية، الذين قد يتعرضون لضغوط بسبب معرفة مشاركتهم أو عدمها من خلال أثر الحبر على أصابعهم".
وشهدت الانتخابات السابقة حالات ابتزاز وتهديد للناخبين داخل بعض المراكز، بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي، حين كشف أن بعض الجماعات طالبت الناخبين بجمع بطاقات ذويهم والتصويت بها لصالح جهات سياسية محددة.
ويُنتظر أن تشهد الانتخابات العامة المقبلة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، أول تطبيق شامل لنظام التصويت البايومتري الكامل، وسط جدل متجدد حول آليات الشفافية والنزاهة، خاصة مع استمرار التوتر السياسي، ومقاطعة التيار الصدري وكتل أخرى للسباق الانتخابي.