أيها السنيور نيكولو مكيافيلي ساستنا، كتلامذة نجباء لك، جعلوا حتى الشيطان في مأزق. ها هو مذهول أمام الاتصالات التي حدثت بين جهات زمنية، وغير زمنية، لتحويل حادثة اختطاف الشيخ أحمد الرفاعي (وكان واضحاً أن الاختطاف للقتل) الى فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر.
كلام وراء الضوء حول تظاهرات، وقطع طرق، واعتداءات، ولو استدعى ذلك الصدام مع القوى العسكرية والأمنية. كل ذلك كان مبرمجاً، على نحو أوركسترالي، ليضيء مدى هشاشة الوضع الطائفي (لا سيما المذهبي ) وقابليته للانفجار…
بمنأى عن الحادثة، من يقف وراء جهات احترفت النفخ في الأبواق؟ المنابر التي يفترض أن تحث على التآلف والتسامح، في هذه الأحوال المروعة، وقد تحولت الى كهوف لتسويق الكراهية والتفرقة. مثلما هناك تورا بورا اسلامية هناك تورا بورا مسيحية!
لا معلومات عن دور خارجي مباشر في اشاعة المناخ. ولكن ثمة لاعبين (في أروقة الجحيم) يراهنون على نقل السيناريو السوري الى لبنان، دون أن يدركوا أن المنطقة الآن، وفي ظل الفوضى الدولية، في الثلاجة، ما دام النفط يضطلع بدور محوري في لعبة الأمبراطوريات. هذه هي التعليمات الأميركية اياكم والنزول الى الخنادق. بطبيعة الحال التعليمات تسري على لبنان الذي تدرك واشنطن أن الشرارة هنا تعني انفجار المنطقة.
ثناؤنا الكبير على شعبة المعلومات التي تمكنت من كشف الفاعلين. لا خلفيات سياسية ولا استخباراتية للجريمة. ولكن، هل وصلنا الى ذلك القاع الذي يقتل فيه شيخ شيخاً آخر قريباً له بداعي الثأر؟
في هذا الوقت كان بعض الساسة، وقد زادتهم الظروف ضحالة ونقصاً في الرؤية، يلهون ببث شائعات تعيد الى الطاولة معادلة "سليمان فرنجية للقصر ونواف سلام للسراي"، وهي المعادلة التي بدأت من قبيل الاختبار التكتيكي، لتطوى منذ الأيام الأولى.
في المعلومات، أن السعوديين ليسوا معنيين بمن يكون رئيس الجمهورية، وبمن يكون رئيس الحكومة. العودة الى لبنان لا تنتظر فقط حل المشكلة اليمنية، من خلال تكريس المصالح الجيوستراتيجية للمملكة في باب المندب.
وعلى أهمية وحساسية، هذه المسألة اذا أخذنا بالاعتبار أن الحدود بين الدولتين، وحيث التداخل التاريخي المترامي، تمتد على مسافة 1458 كيلومتراً، يؤكد لنا زميل سعودي مقرب من البلاط أن الأمير محمد بن سلمان ليس مستعداً لعقد أي صفقة مع آيات الله حول أي بلد عربي بالصورة التي تكرس وجودهم في هذا البلد.
نقل أيضاً "لا ننفي أن القوى العظمى وضعتنا جميعاً في حلقة مقفلة. لكن الايرانيين ألقوا في وجهنا، كبلدان خليجية، شرطاً خيالياً اخراج القوات الأميركية. ولقد قلنا لهم أكثر من مرة ان أميركا ليس امارة موناكو. نحن نستغرب كيف يدعون الى الخروج الأميركي، فيما يفاخرون بالسيطرة على أربع دول عربية".
وفي النظرة السعودية "أن من الطبيعي أن تتصادم أو تتضارب، الرؤى الجيوسياسية بين الدول. لكننا نسأل الايرانيين، بعد نحو نصف قرن من التعبئة الايديولوجية، والتعبئة العسكرية ضد أميركا، هل تمكنوا من زحزحتها قيد أنملة؟ على العكس من ذلك، سياسات طهران حملتهم على تكثيف وتفعيل وجودهم".
أما الحل السعودي "فهو ما نفعله الآن. الانفتاح، بما في ذلك الانفتاح الاستراتيجي، على كل من روسيا والصين، وهو ما يحد من التأثير الأميركي الذي تراكم على امتداد نحو قرن، وبات أكثر حساسية مع ظهور النفط كعامل أساس في الصراع حول كيفية ادارة العالم".
استطراداً، لا يتوقع السعوديون انفراجاً وشيكاً في العلاقات مع ايران. الهوة واسعة. المساعي العراقية أقرب الى "التمنيات العاطفية. "لا مقترحات عملية.
هذا ما ينبغي على اللبنانيين، كضحايا لكل الصراعات، أخذه بالاعتبار. لا خيار سوى اسدال الستار على حفل الجنون السيياسي والطائفي. الكل نفضوا أيديهم من أزمتنا التي آن الأوان لنحلها بأيدينا بدل اضرام النيران ؟
رجاء، لا تتهموا الشيطان. انه بريء من دم ذلك الصدّيق الذي يدعى.. لبنان!
صحيفة الديار