ربما السؤال الرئيسي الذي يشغل بال الجميع الآن، بعد مرور عام كامل على الحرب، سواء من قبل المتخصصين أو غيرهم هو ما هو مستقبل الحرب الأوكرانية؟
من المعروف أنه في علم السياسة أنّ التنبؤات أمر أصعب ما يكون؛ وذلك لأن السياسة والمصالح متغيّرة بشكل كبير جداً باستمرار. علاوة على أن المعطيات والمعلومات الاستخبارية التي تحدد مسارات الأحداث بشكل رئيسي ومفاجئ غير متاحة للجميع.
ولعل استعراض ما تم خلال العام الأول للحرب، والبناء عليه، قد يمكنا من سرد سيناريوهات واقعية إلى حد بعيد للحرب، بقطع النظر عن مبررات بوتين لغزو أوكرانيا، فإنه قد تصور - ومعه قطاع لا يستهان به من المتخصصين السياسيين والعسكريين- تحقيق انتصار سريع بسبب فجوة القوة العسكرية الشاسعة جداً بين روسيا (ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم)، وأوكرانيا. علاوة على ذلك، قد تصور أن أوروبا ستقف صامتة بسبب اعتمادها التام على الغاز الروسي. وأخيراً، قد كان لدى بوتين قناعة راسخة بعدم استجابة عسكرية من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو.
ولكن ما شهدته مجريات الحرب خلال العام، قد عكس توقعات بوتين تماماً. فقد فوجئ بمقاومة عسكرية وشعبية أوكرانية شرسة جداً بمساندة ودعم أميركي عسكرياً ولوجستياً، وتضامناً أوروبياً- أميركياً غير مسبوق قد تجلى في عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو، شملت إنهاء الاعتماد على النفط والغاز الروسيين. علاوة على ذلك، قد فوجئ أيضاً باستياء حلفائه الرئيسيين، خصوصاً الصين، من استمرار الحرب دون أُفق واضحة لحسمها من جانب موسكو، أو إنهائها ديبلوماسياً.
وقد أفضى ما سبق إلى زيادة عناد بوتين لتحقيق الانتصار وذلك عبر إعلان التعبئة الجزئية واستدعاء ما يقرب من 300 ألف جندي من قوات الاحتياط، والتهديد علانية باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات الغربية المساندة لكييف، وتعليق العمل بمعاهدة "ستارت" النووية بين واشنطن وموسكو.
وعلى الجانب المقابل، تزايدت جرعات التفاؤل لدى الغرب، خصوصاً لدى واشنطن بقدرة الجيش والمقاومة الأوكرانية على هزيمة روسيا، أو على أقل تقدير إلحاق هزائم فادحة بالجيش الروسي بالتوازي مع وطأة العقوبات. ما قد يؤدي إلى إجبار بوتين على الانسحاب، أو حدوث هياج شعبي قوي ضاغط عليه لإنهاء الحرب، وربما أيضاً حدوث انقلاب عسكري داخلي على بوتين لا سيما حال شروعه في استخدام السلاح النووي.
أن مخاوف الغرب لا ترتكز على أوكرانيا على وجه الخصوص، بل من تزايد شهية بوتين لغزو دول أخرى من الكتلة الشرقية السابقة، إذا استتب له الأمر في أوكرانيا. وحال حدوث ذلك، سيضطر حلف الناتو على مضض للانخراط في حرب نووية مع موسكو.
وشهد نهاية العام الأول من الحرب، ثلاثة أحداث رئيسية تعكس ما سبق تماماً وذلك من حيث عناد بوتين الرهيب على تحقيق الانتصار، وتفاؤل واشنطن الكبير باستنزاف روسيا، إلى جانب سعي صيني حثيث، يعكس استياءً واضحاً، لإنهاء هذه الحرب.
الأول، هو زيارة بايدن إلى أوكرانيا، حيث أكد علانية في خطابه هناك بعد لقائه زيلينسكي، أن روسيا لن تنتصر أبداً في هذه الحرب، كما أعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة نصف مليار دولار، تشمل أسلحة متطورة.
والثاني، خطاب الاتحاد للرئيس بوتين، وكان مفاده يدور حول مشروعية هذه الحرب وضرورة الاستمرار والانتصار فيها، وفشل الغرب عسكرياً واقتصادياً في كسر روسيا.
والثالث، طرح الصين لخطة السلام في أوكرانيا، والتي تضمنت بنوداً لوقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات، وعدم استخدام الأسلحة النووية، وإزالة العقوبات الغربية من على موسكو. ورفضت واشنطن الخطة الصينية مشككة في نوايا الصين ونزاهتها، كما اعتبرتها منحازة كلياً لموسكو. حيث، بحسب مسؤولين، أميركيين تعد خطة لإكساب مزيد من الوقت لبوتين لاستعادة قوته المتقهقرة في أوكرانيا.
وإزاء ما سبق، يمكن الجزم أنه من المستبعد على المدى القريب جداً، أو على الأقل في عام 2023 أن تنتهي وتيرة الحرب على الأراضي الأوكرانية، بل ستزيد عنف هذه الوتيرة.
أما على المدى المتوسط، وعلى الأرجح في الذكرى الثانية للحرب، خاصة مع دخول الصين على خط الأزمة، أن تشهد وتيرة الحرب درجة من التهدئة تزامناً مع البدء في محادثات جادة لإنهاء الحرب.
إذ يمكن القول، إن الصين بثقلها الدولي الواسع، ونفوذها الحقيقي على موسكو، بمقدورها لعب دور حاسم لإنهاء الحرب. وهذا ما عكسته خطتها للسلام، حيث قدمت الأساس الذي يمكن البناء عليه لإنهاء الحرب.
إذ ما يمكن استقراؤه من الخطة هو التسوية المتوازنة ما بين الحفاظ على وجه ماء روسيا من خلال تقديم الغرب الضمانات الكافية بإزالة فكرة انضمام أوكرانيا تماماً إلى الناتو، وربما الاعتراف بضم روسيا لجزيرة القرم.
وفي المقابل، تعهدات روسيا بالحفاظ على استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها، وعدم تهديد دول أخرى، كما نصت بنود الخطة ضمنياً، والعمل على خفض سباق التسلح النووي في أوروبا.
وثمة أفق واضحة لنجاح الصين عموماً، والخطة خصوصاً في إنهاء الحرب على المدى البعيد؛ بسبب الصعوبة البالغة التي سيقابلها بوتين في حسم الحرب، لأن الغرب لن يتوقف عن مساعدة أوكرانيا فحسب، بل أيضاً يقاتل الأوكرانيون جيشاً وشعباً ببسالة عالية جداً في حرب تحرير ضد قوات يعتبرونها غازية ظالمة. وربما أن تلك القوات الروسية هي الأخرى غير مقتنعة بمشروعية هذه الحرب، وتقاتل بروح قتالية فاترة جداً، حيث التقهقر السريع جداً ملحوظ فور استيلاء القوات الروسية على مناطق جديدة في أوكرانيا.
صحيفة الراي الكويتية