توجد في الجزائر، مدينة "تافيلالت" التي أُنجزت لكي لا تُقلد باقي المدن العصرية، كونها مدينة صديقة للبيئة، حيث فازت بالجائزة الدولية للسكن بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة، وتحولت إلى نموذج للبناء الأخضر.
زارت "العربية.نت"، المدينة المسماة قصر تافيلالت بولاية غرداية (610) كيلومترات جنوب العاصمة الجزائر، والتي أنجزتها مؤسسة ''أميدول'' ببني يزقن، حيث تحصل مؤسسها الدكتور أحمد نوح، سنة 2021 على جائزة "ناشيونال انيرجي غلوب"، التي تُمنح سنويا من طرف المؤسسة النمساوية "اينيرجي غلوب"، وقبل ذلك، فاز المشروع بالجائزة الأولى العربية للإدارة البيئية سنة 2015، كما حَصَدَ جائزة أحسن هندسة معمارية بالجزائر عدّة مرات.
وما إن تدخل المدينة، حتى تتراءى لك بيوت من الحجارة وأُخرى مصنوعة من الطين، وجهتها وارتفاعها وحتى تقسيم البيوت داخل المسكن الواحد مدروسة بعناية، وزاد من بهائها، حديقة الحيوانات المجاورة، والتي على محدودية مساحتها، إلاّ أنها تتوفر على أنواع كثيرة من السلالات الحيوانية.
توجهت "العربية.نت" بعد ذلك، إلى داخل المدينة التي تتربعُ على 5.9 هكتار، أنجز عليها 1050 مسكنا، يقيم فيها حوالي 5 آلاف و500 ساكن، ومنهم السيد محمد، الذي سمح للعربية.نت بزيارة بيته، الذي أنجز ومثل باقي البيوت بتقنيات تقليدية، تُمكن من عزل الحرارة والصوت، حيث يتوفر البيت على طابق سفلي، وطابق أوّل وسطح، وبينهما فتحة تُركت لمرور تيار هوائي ينوب عن أيّ جهاز للتبريد، ومنه كشف محمد أنّ "العيش في هكذا نوع من البيوت، يختلف بشكل كبير عن البيوت العصرية. لا نحتاج إلى مكيفات أو المدافئ. مثلا عندما تبلغ درجة الحرارة خارج المنزل 35 قد لا تتعدى الـ25 داخل المنزل. السكان هنا في غنى عن التبريد الإضافي، ولكن البعض قد يُجهز منزله بمكيف لاستخدامه عند بلوغ الحرارة درجات قياسية، أو استقبال عدد كبير من الضيوف، كما أنَّ فتحات التهوية بين الطوابق تمكننا من الحصول على جوّ منعش، خاصّة في فصل الصيف".
من جهته، قال صالح، الذي يتنقل بين غرداية والجزائر، بشكل دوري بأنّ "هناك اختلاف كبير بين المناخ في الولايات الساحلية و الصحراوية، ولو أنّ الأخيرة تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة، إلاّ أن انخفاض الرطوبة، يجعلها أحسن مكان للعيش فيه".
بدوره صرح صاحب المشروع، وهو رئيس جمعية "اميدول"، الدكتور أحمد نوح، قائلا: "في بداية الإنجاز لم نضع الجانب الإيكولوجي كأولوية، وإنما فكرنا في الجانب الاقتصادي، من حيث أننا اِستعملنا مواد طبيعية، مثل الحجر، والجبس، والتمشمت (جبس محلي ذو لون أبيض مائل إلى الرمادي، يُستخرج من طبقة سطحية أو في عمق يبلغ المتر)، والتي وإلى جانب تكلفتها المنخفضة، فإنّ لها دور كبير في تخفيض نسبة الاحتباس الحراري، وتعتبر عوازل صوتية وحرارية"، وأضاف: "سمك الجدار هو 45 سنتيمترا، يمتصّ الحرارة صيفا، ويمتص الرطوبة شتاء، حتى إنّ الفارق بين درجتي الحرارة بين داخل البيت وخارجه، يصل إلى 9 درجات مئوية".
أما عن جانب النظافة، قال المتحدث إنّ: "سكان المدينة هم من يتداولون على تنظيفها، وهو ما يُفسر إبقاء عدد السكنات في حُدود الألف، كون المدينة الصغيرة يسهلُ تسييرها".