قدّم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اليوم الأحد، رسالة رسمية إلى محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، يطلب فيها سحب مشروع قانون بعنوان "مكافحة نشر الأخبار الكاذبة".
وبحسب وسائل إعلام محلية، تمّت قراءة طلب بزشكيان خلال جلسة البرلمان من قِبل أحمد نادري، عضو رئاسة المجلس. وجاء في الرسالة أن الحكومة قررت إعادة المشروع لمزيد من الدراسة الدقيقة والمراجعة.
وأكد بزشكيان أن هذا القرار حظي بموافقة مجلس الوزراء يوم أمس؛ بهدف توسيع أساليب التنظيم ودعم حرية التعبير المشروعة ضمن إطار الدستور.
وكان المشروع قد قُدّم في البداية إلى مجلس الشورى بهدف مكافحة المحتوى الكاذب على الإنترنت، لكنه يُعاد الآن إلى الحكومة لإجراء التعديلات والمراجعات اللازمة.
ومع ذلك، يرى النقّاد أن سحب المشروع لا يعني تغيّر موقف الحكومة من حرية التعبير أو سياساتها المتعلقة بالإنترنت، بل يعتبرونه محاولة مؤقتة لتهدئة الرأي العام وتقليل الانتقادات، محذّرين من أن الهدف النهائي يبقى صياغة قوانين جديدة للتحكم الصارم بالإنترنت وتقييد وصول المواطنين الحر إلى المعلومات.
وأثار مشروع القانون الجديد، الذي قدّمته السلطة القضائية الإيرانية إلى البرلمان تحت عنوان "مكافحة نشر الأخبار الكاذبة"، موجة واسعة من الانتقادات والرفض في الأوساط القانونية والإعلامية، وحتى بين بعض نوّاب البرلمان الإيراني.
ويجرّم المشروع العديد من الأنشطة الإعلامية والتحليل السياسي، ويقترح عقوبات تشمل السجن والغرامات المالية والمنع من النشاط الإعلامي؛ الأمر الذي اعتبره خبراء قانونيون وحقوقيون تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير، وتضييقًا إضافيًا على البيئة الإعلامية في البلاد.
19 نائبًا يحتجّون رسميًا
في خطوة نادرة، وجّه 19 نائبًا من مجلس الشورى رسالة مفتوحة طالبوا فيها الحكومة بسحب مشروع القانون فورًا. وجاء في الرسالة أن القانون يتناقض مع المادة 24 من الدستور الإيراني، التي تضمن حرية الصحافة، كما أنه يتنافى مع شعارات الحكومة الحالية التي ترفع شعار "الوفاق الوطني والشفافية والحوار".
وكتب النواب في رسالتهم: "الرقابة والتضييق ليست أدوات للتوضيح، ولا ضامنة للأمن؛ بل خطوات نحو إسكات المجتمع وإغلاق أبواب الإصلاح".
انتهاك للدستور وتكرار لتجريم سابق
الخبير القانوني البارز سعيد دهقان اعتبر مشروع القانون مخالفًا للمادتين 9 و24 من الدستور، مؤكدًا أن تجريم الأخبار الكاذبة وارد مسبقًا في قوانين مثل قانون العقوبات، تحت عناوين مثل "نشر الأكاذيب" أو "إثارة الرأي العام"، مما يجعل المشروع الجديد تكرارًا لا مبرر له سوى تشديد القيود.
وأضاف دهقان: "مشروع القانون لا يضيف شيئًا جديدًا، بل يُكرّس عقلية أمنية تهدف إلى تقييد الفضاء الإعلامي، لا تنظيمه".
وذكّر بأحداث سابقة مثل جائحة كورونا، وإسقاط الطائرة الأوكرانية، ووفاة مهسا أميني، إذ تم اتهام الصحفيين بنشر أكاذيب، ليتضح لاحقًا أن تقاريرهم كانت صحيحة، في حين كانت الجهات الرسمية تُخفي الحقيقة. مبينًا: "إذا كانت القوانين الحالية تشمل جميع الأفعال المزعومة، فلماذا تكرارها؟ هذا المشروع لا يعكس إلا جهلًا قانونيًا ورغبة في مزيد من السيطرة".
جدل واسع حول تعريف "الخبر الكاذب"
ومن أبرز الانتقادات الموجّهة للمشروع، غياب تعريف دقيق لعبارة "خبر كاذب"، فقد اعتبر الصحفي والمحلل السياسي الإصلاحي، أحمد زيد آبادي، أن التمييز بين الرأي والتأويل والخبر المضلل أمر بالغ التعقيد.
وقال زيد آبادي: "التحليل الصحفي ليس حقيقة مطلقة، بل هو تأويل؛ وتجريمه أمر غير عادل، ولا ينبغي أن تُفوّض مهمة التحقق من الأخبار إلى الأجهزة الأمنية، بل إلى هيئة مستقلة من الإعلاميين والقانونيين".