دولي

"شقق سكنية" للتخصيب.. هل بدأت إيران تغيير قواعد اللعبة النووية؟

تزايدت تكهنات مراكز القرار الغربية خلال الأيام القليلة الماضية بشأن خطة إيرانية جديدة تتضمن إعادة تشكيل هيكلية برنامجها النووي بطريقة غير تقليدية.

ويتمثل ذلك عبر تحويل آلاف الشقق السكنية إلى منشآت تخصيب صغيرة، كبديل عن المنشآت الضخمة مثل نطنز وفوردو، التي شكلت أهدافا واضحة وسهلة لضربات القاذفات الأمريكية خلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل بالتنسيق مع واشنطن ضد إيران.

 وتؤكد مراكز القرار الغربية، أن هذا التحول المحتمل في الخطط الإيرانية الخاصة ببرنامجها النووي يأتي في سياق التوترات المتصاعدة بين طهران والغرب بقيادة الولايات المتحدة بالإضافة إلى إسرائيل، خاصة بعد تعليق الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.

الخطط المحتملة

في تعليقها على هذه التكهنات قالت مصادر دبلوماسية غربية إن إيران تسعى إلى تبني نهج جديد يعتمد على تخصيب اليورانيوم في وحدات صغيرة يمكن تركيبها داخل مساحة لا تتجاوز مساحة شقة سكنية، مستفيدة من التطورات التقنية الحديثة مثل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة (IR-8)، التي تتميز بكفاءة عالية ولا تحتاج إلا لمساحة محدودة بدلا من منشآت التخصيب ذات المساحات الكبيرة.

وأشارت المصادر الغربية في حديثها لـ"إرم نيوز" إلى أن الخطط الإيرانية بهذا الخصوص تعتمد على نشر آلاف منشآت التخصيب الصغيرة في المدن الإيرانية، الأمر الذي يجعلها غير مرئية للأقمار الصناعية والضربات الجوية، وذلك على عكس المنشآت الكبيرة التي استهدفتها أمريكا وإسرائيل في الحرب الأخيرة.

 وأوضحت المصادر أنه بناء على هذه الخطط فسيكون بإمكان إيران تأجيل مشاريع المفاعلات الكبيرة، مثل مفاعل بوشهر، الذي يُستخدم أساسًا لتوليد الكهرباء، حيث يمكن تغطية الطاقة من مصادر تقليدية مثل النفط والغاز المتوفرة بكميات كبيرة في إيران.

بموجب النهج الجديد المحتمل فإن كافة الجهود الإيرانية ستتركز على تخصيب اليورانيوم عالي النقاء الذي يمكن استخدامه لاحقا إذا دعت الحاجة لصنع السلاح النووي بحسب ما تؤكد المصادر الغربية.

الجهود الإيرانية 

وكانت إيران أظهرت تقدمًا ملحوظًا في برنامجها النووي منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في 8 أيار/مايو 2018 وأسفرت الجهود الإيرانية عن زيادة الطاقة التخصيبية بعدما تم رفع عدد أجهزة الطرد المركزي إلى أكثر من 12,000 جهاز IR-1 في نطنز، مع تطوير أنواع متقدمة مثل IR-6 وIR-8، التي تتيح تخصيبًا أسرع من الأجهزة السابقة.

كما جرى رفع مستويات التخصيب حيث وصلت إيران في تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو مستوى قريب من الاحتياجات العسكرية، وفق تقارير الوكالة الدولية حتى 2023.

وتعرضت منشآت مثل نطنز وأصفهان وفوردو إلى ضربات من القاذفات الأمريكية والتي سبقها ضربات إسرائيلية في يونيو 2025، مما ألحق أضرارًا كبيرة وفقا للتقارير التي أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية.

 وبرغم الضربات الأمريكية –الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية إلا أن  إيران تستطيع استعادة القدرة على تخصيب ما يكفي لسلاح نووي في غضون أسابيع إذا اعتمدت منشآت صغيرة، بحسب ما تقول المصادر الغربية التي تؤكد أن التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسات الدولية وأجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية، والأقمار الصناعية في هذه الحالة يكمن في قدرة إيران على إخفاء الوحدات عن أعين الجميع.

ويرى المحلل السياسي جمعة سليمان النسعة، أن تحول إيران إلى منشآت صغيرة لتخصيب اليورانيوم قد يضع الغرب في موقف دفاعي، حيث يصعب تحديد الأهداف أو منع عمليات التخصيب، الأمر الذي يجعل من التفاوض وإعادة الرقابة على برنامجها النووي هو السبيل الوحيد لضبط برنامجها.

ويشير المحلل النسعة إلى أن الأولوية في الجهود الأمريكية يجب أن تركز في هذا الوقت على احتواء الوضع دبلوماسيًا، والتفاوض على حل يضمن أمن المنطقة دون تصعيد، خاصة بعدما أثبتت العقوبات فشلها في تغيير مسار طهران بشأن برنامجها النووي.

وعلى النقيض من ذلك ترى أستاذة دراسات الشرق الأوسط الدكتورة إنعام أبو ملحم، أن الحديث عن النهج الإيراني الجديد في عمليات التخصيب قد يسهم في عودة الصراع وعلى نحو أشد مما سبق في الحرب الأخيرة، بحيث تقوم أمريكا وإسرائيل بتنفيذ ضربات ضد إيران تشمل مواقع استراتيجية وذلك بهدف تدمير شامل للبنية الاقتصادية والخدمية في البلاد.

وقالت أبو ملحم، إن أمريكا تعمل على إعادة تقييم سياستها تجاه طهران بعد عودة دونالد ترامب إلى سدة رئاسة الولايات المتحدة في ولاية ثانية وسط ضغوط من حلفائها، خاصة إسرائيل، لاتخاذ موقف أكثر حزما ضد البرنامج النووي الإيراني.

وأضافت: "لذا فإن الحديث عن النهج الجديد في التخصيب قد يجعل من عودة الصراع الخيار الأكثر ترجيحا خلال الأيام القادمة".

يقرأون الآن