ربما كان الأكثر اثارة بين تعليقات الأمس حول المفاجأة الصينية "الشمس في الشرق الأدنى تشرق من الشرق الأقصى". تفاؤل كبير على ضفتي الخليج.
وحين استوضحت ديبلوماسياً خليجياً حول ما ينتظرنا في الأسابيع، أو في الأشهر المقبلة، سأل ضاحكاً "ألم أقل لك ان محمد بن سلمان سيقفز فوق جو بايدن ؟ قناة "فوكس نيوز" سخرت من الرئيس الأميركي. تحدثت عن "الضربة القاضية". أين ؟ "على الرأس"!
في نظره أن "انقلاباً حدث في المنطقة. النتائج تأتي تباعاً، وفي مناخات هادئة"، ليشير الى أن كبار المسؤولين في بلده "وضعوا في الجو في اليوم الثالث للمحادثات. وهنا أؤكد لك أن الجانبين السعودي والايراني لم يبحثا في العناوين فقط، بل توغلا في التفاصيل، والى حد تشكيل رؤية مشتركة لحل الأزمات الناتجة أو المسببة لتدهور العلاقات بين البلدين".
هل نقول للبنانيين، والسوريين، وللعراقيين واليمنيين، تفاءلوا ؟ أجاب "دون أدنى شك، ولقد أتصلت بزملاء لي في الرياض، ولاحظت أنهم على درجة عالية من التفاؤل بوضع حد للصراعات المباشرة، وغير المباشرة، وبعدما تشكلت قناعة لدى الطرفين باحتمال أن يفضي تصعيد الحرب في الشرق الأوروبي، وعلى ذلك النحو الخطير، الى تسخين الوضع في المنطقة". تفاهمات بكين (أو بيجين) لا بد أن تقفل الأبواب التي تهب منها الحرائق.
وكان الفرنسيون والألمان الذين يتوجسون من أن تطول الحرب في أوكرانيا، مع تداعياتها الدراماتيكية على القارة، يرون أن شي جين بينغ يمكن أن يضطلع بدور "الوسيط الذهبي" بين واشنطن وموسكو، دون أن يغوصوا في عمق الموقف الأميركي، وحيث النظر الى الرئيس الصيني كونه العدو الرئيسي للولايات المتحدة.
على الأقل لأنه يشكل التهديد المستقبلي للنظام (اللانظام) الدولي الراهن، ودعوته الى عالم متعدد الأقطاب، وهو ما يثير ردة فعل عاصفة من أركان الدولة (الأمبراطورية) العميقة الذين استدرجوا فلاديمير بوتين الى المستتقع الأوكراني لكسره، وتكريس قيادتهم للكرة الأرضية...
المشهد مختلف، في نقاط كثيرة، بالنسبة الى ادارة شي جين بينغ، شخصياً، الوساطة بين الرياض وطهران. الايرانيون، بالديبلوماسية التي لا تخلو من اللمسات الايديولوجية الحادة، يثقون بـ"الصديق الصيني" الذي تربطهم به مشاريع استراتيجية بعيدة المدى.
هم في وضع شائك، ويتوقعون أن تزداد عليهم الضغوط الأميركية والأوروبية، لتأتي الوساطة لا لتحدث كوة في الجدار بل لتمهد لهدم الجدار...
كما أن السعوديين باتوا يميلون أكثر فأكثر الى الأخذ بمبدأ التوازن في العلاقات مع القوى العظمى، بالرغم من أن الوجود العسكري الأميركي في الخليج لا بد أن يشكل ضغطاً على سياسات دول مجلس التعاون.
ولكن حتى الصحف الأميركية تعتبر أن شيئاً ما حدث في العلاقات بين البيت الأبيض وقصر اليمامة. ثمة ثلة من المستشارين حول ولي العهد السعودي، ويرون أن المملكة اذا ما أرادت أن تضطلع بدور أكثر ديناميكية على المستوى الجيوستراتيجي، لا بد من أن يكون لها ملعبها الخاص لا أن تبقى في الملعب الأميركي.
في كل مكان من خارطة الصراع (لبنان، سوريا، العراق واليمن)، انتهت الأزمات الى المراوحة القاتلة. لا السعوديون ولا الايرانيون يستطيعون أن يتقدموا، ولو خطوة واحدة، في الحلبة. هنا أزمة الأزمات…
من سنوات قيل ان التسوية تبدأ من جبال مران في صعدة لتتدحرج الى ضفاف المتوسط، دون أن يكون خفياً أن الأميركيين لم يتوقفوا يوماً عن الضغط للحيلولة دون توقف الصراعات، بتلك الأبعاد السيزيفية، في أرجاء المنطقة.
اذاً، من البوابة الصينية يمكن أن تدخل العلاقات، في حال من الاستقرار، وتتواصل الجهود لبلورة أرضية لمنظومة اقليمية تحد من التبعية للأمبراطوريات.
لا أحد ينكر أهمية المساعي العراقية والعمانية، ولكن كان من الصعب عليهم اختراق الركام. التنين لا يخترق الركام فقط بل ويزيله. ولننتظر...
في بيروت ودمشق، وفي بغداد وصنعاء، ثمة ضوء في النفق ويقترب اكثر فأكثر…
صحيفة الديار