"مثلما تتعثر الفيلة بحصاة يمكن للأمبراطوريات أن تتعثر بحصاة"... لكن جوزف ستيغليتز، الحائز نوبل في الاقتصاد، لا يرى في سقوط بنك "سيليكون فالي" حصاة في الطريق بل "حصاة في الحلق".
هنا الصندوق الأسود لنحو 3000 شركة تكنولوجية عريقة أو حديثة النشأة. في هذه الحال، أي لغز وراء تلك اللحظة الدرامية، وحين تكون التكنولوجيا هي من كرّست القيادة الأميركية الكرة الأرضية؟
ستيغليتز الذي تنبأ بأزمة عام 2008 كنتيجة منطقية للتريليونات التي ذهبت هباء في أفغانستان والعراق، يسأل الآن "الى أين يجرنا فولوديمير زيلينسكي" ؟ بإشارات ساخرة بدا كما لو أنه يوحي بتلك النكتة التي شاعت لفترة في لبنان حول النملة التي جرّت الفيل الى ... الفراش!
ثمة مئات مليارات الدولارات التي ذهبت أدراج الرياح في أوكرانيا . شيء ما يشبه رقصة "الفالس" بين القبور. من هو ذلك الغبي الذي رأى أن الشرق الأوروبي، لا الشرق الآسيوي، هو الحلبة المثالية للصراع حول من يحل محل الله في ادارة الأزمنة؟
ألم يقل زبغنيو بريجنسكي الذي رحل قبل اندلاع الحرب بـخمس سنوات "من دون أوكرانيا لا يمكن لروسيا أن تكون قوة عظمى" ؟ قوة عظمى لا "القوة العظمى". الشعار الذي أطلقه دونالد ترامب، ويحاول جو بايدن استساخه كمحاولة "استنساخ الديك الرومي من خلايا الصقر"، كما قالت قناة "فوكس نيوز"!
لا أحد أجاب على السؤال الذي تردد في الأرجاء الأميركية "لماذا بنك سيليكون فالي بالذات"؟ وبعدما لوحظ أن الشركات الكبرى في وادي السيليكون، مثل "غوغل" و"آمازون" و"ميكرو سوفت" اضطرت قبل أشهر لتسريح عشرات الآلاف من العاملين لديها.
لا أحد يدري أي نوع من الحروب تحدث داخل "الدولة العميقة". ربما انهار البنك بضربة من جهة ما. لا مجال هنا للقبض على الأشباح التي قد لا تتوقف عند بنك واحد، أو عند بنكين فقط (سيغنتشير).
تحذير من الدومينو، خصوصاً أن جو بايدن ليس بديناميكية باراك أوباما الذي تمكن من احتواء تداعيات أزمة 2008، لاقتناعه أن القطاع المصرفي بمثابة الجهاز العصبي للأمبراطورية. أي خلل في هذا الجهاز؟ إما أن يقود الى الجنون أو الى الشلل ...
اذاً، هي الطرقات الخفيفة على الباب. أكثر من خبير مالي يحذر من "الطريقة الهستيرية" في التعاطي مع الحرب في أوكرانيا، وحيث الغرق التدريجي في الدوامة. الخزانة الأميركية مشرعة عشوائياً على مصراعيها، دون أن تبدو في الأفق أي نهاية للحرب، وبعدما أبدل الروس خطتهم للعملية الصاعقة، وقد آلت الى الفشل، بالحرب الطويلة المدى.
مساعدة زيلينسكي لا تقتصر على المال والسلاح. آلاف المستشارين والقادة الميدانيين الأميركيين والأوروبيين على الأرض، وهم وراء استمرار الحرب بتلك الوتيرة.
صحيفة "بوليتيكو" تحدثت عن تفاقم الخلافات بين واشنطن وكييف (حول المفاهيم وحول الأهداف). زيلينسكي يحاول أن يتقمص شخصية الجبابرة. بدا وكأنه يفرض آراء وسياسات معينة على الادارة التي لها حساباتها، ولها خطوطها الحمراء، والا "لكان الشيطان يختال فوق جثثنا" (آرون ميلر).
ليست الحرب وراء افلاس البنك الذي كان شعاره "عملاؤنا صانعو التغيير"، في أميركا كما في بلدان باتت جزءاً من العالم التكنولوجي . ومع اعتبار أن أميركا ليست "أمبراطورية من الكرتون"، حسبما يتصور البعض بخيال الذبابة، والذين يروجون للغروب الأميركي حتى حين تكون هناك تظاهرة من أجل حرية الاجهاض.
ولكن حتى "الأمبراطوريات المقدسة" كانت تتهاوى ولو بـ "حجر على زجاج القصر"، حسبما كتب ول ديورانت. افلاس بتك "سيليكون فالي" لا يهز جدران البيت الأبيض، ولا ثريات "وول ستريت". الخشية من "حرب الأباطرة داخل الأمبراطورية ". ثمة صراعات هائلة بين الشركات الكبرى والبنوك الكبرى. من يكسر عظام من؟
هذا ما حذّر منه المؤرخ آرثر هيرمان الذي رأى وجود عوامل أخرى، غير العامل التقني، أو المهني. "فتشوا عن قرون الثيران وهي ترتطم ببعضها البعض داخل ناطحات السحاب"!
صحيفة الديار