أثار تزايد مشاهدات المسيّرات الغامضة في أجواء أوروبا خلال الأشهر الأخيرة موجة قلق جماعية، وصفتها تقارير إعلامية بأنها "نوبة ذعر واسعة النطاق"، إذ رغم غياب أضرار مادية ملموسة حتى الآن، فإن هذه الظاهرة عمّقت شعور الأوروبيين بانعدام الأمان وكأن الحرب تقترب من أبواب منازلهم.
وفي تقرير موسع نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، تناولت الصحيفة الظاهرة من زاوية نفسية واجتماعية، مشيرة إلى أنه لم يُؤكَّد بعد ما إذا كانت هذه المسيّرات تُدار بأوامر من الكرملين، لكن الرأي العام الأوروبي يميل إلى اتهام روسيا بالوقوف وراءها.
وأوضح الكاتبان دانيال بوفي (كبير مراسلي الغارديان) وميراندا براينت (مراسلة الصحيفة في دول الشمال) أن الغموض المحيط بالجهة المسؤولة يغذي شعورًا عامًا بالخوف والريبة في أنحاء القارة.
ومن بين القصص التي رصدها التقرير، حكاية فيغارد رابّان، وهو رجل إطفاء نرويجي، قال إنه لاحظ أثناء عودته إلى منزله في إحدى الليالي ضوءًا أحمر غريبًا قرب مرآبه، ولم يدرك طبيعته إلا بعد أن تابع تقارير عن المسيّرات الغامضة في الأخبار.
وفي سياق التحليل، قالت البروفيسورة بيريل بونغ، مديرة مشروع المسيّرات والثقافة في جامعة كامبردج، إن الهدف من هذه التوغلات ليس بالضرورة عدوانيًا، بل يهدف إلى إثارة القلق وبثّ الشعور بالضعف. وأضافت: "التوغّلات وسيلة لتخويف واستفزاز الأوروبيين، فهي تجعلك تشعر بأنك بلا حماية، دون أن تتطور إلى حرب شاملة كما يحدث في أوكرانيا".
وترى الغارديان أن هذه الحوادث تنقل مخاوف الحرب إلى الحياة اليومية للأوروبيين الذين اعتادوا الشعور بالأمان، وتجعلهم يتساءلون عمّا إذا كانوا مستعدين فعلًا لخوض مواجهة مع روسيا.
وقال ريتشارد كارتر، المشارك في المشروع ذاته، إن استخدام المسيّرات في النزاعات "حوّل السماء المسالمة إلى مصدر تهديد دائم"، مضيفًا أن هذا الواقع الجديد يغير نظرة الناس لحياتهم اليومية ويزرع فيهم إحساسًا مستمرًا بالخطر.
أما روبرت بارثولوميو من جامعة أوكلاند، فربط الظاهرة الحالية بتاريخ طويل من الذعر الجماعي في شمال أوروبا، موضحًا أن المنطقة شهدت في الثلاثينيات تقارير عن "أجسام غريبة" ظُنّ أنها طائرات سوفياتية، وفي الأربعينيات عن "صواريخ شبحية"، ثم في السبعينيات والثمانينيات عن "غواصات غامضة" تبين لاحقًا أن معظمها ظواهر طبيعية أو بلاغات غير دقيقة.
وأشار بارثولوميو إلى أن ما يحدث اليوم يأتي ضمن "عاصفة فوضى مثالية" من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، تتغذى على العدوانية الروسية ومخاوف الأوروبيين من تذبذب مواقف الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ووفق ما أوردته الغارديان، فقد شهد العام الماضي زيادة كبيرة في مشاهدات المسيّرات الغامضة فوق شمال وغرب أوروبا، بينما تم إسقاط ثلاث مسيّرات داخل المجال الجوي البولندي الشهر الماضي. كما أدت مشاهدات أخرى إلى إغلاق مطارات رئيسية مثل كوبنهاغن وميونخ، حيث ألغيت 17 رحلة جوية وتضرر نحو 3 آلاف مسافر.
وكشف ريني باجو، الرئيس التنفيذي لشركة إينيفيت باور، للصحيفة أن محطات الطاقة الكبرى شرق إستونيا رصدت 22 رحلة لمسيّرات غير مسجّلة منذ أواخر العام الماضي، موضحًا أنها لم تسبب أضرارًا تشغيلية لكنها أثارت قلقًا واسعًا في الأوساط الأوروبية.
ويرى محللون أن روسيا تستخدم هذه الحوادث لاختبار يقظة حلف الناتو، فيما وصف إيغرت بيليتشيف، المدير العام لقوات الحدود الإستونية، هذه الأنشطة بأنها "استفزازات متكررة تهدف إلى قياس قدراتنا وردود أفعالنا".