بيئة

كيف أصبح الجنوب العالمي مكبا لنفايات الغرب البلاستيكية؟

كيف أصبح الجنوب العالمي مكبا لنفايات الغرب البلاستيكية؟

لا يعد التلوث البلاستيكي مجرد مشكلة بيئية، بل هو أيضا مشكلة سياسية واجتماعية. فبينما تُعدّ الأكياس والزجاجات البلاستيكية التي تجرفها الأمواج إلى الشواطئ موضوعا شائعا، وتنتشر صورٌ مُقلقة للسلاحف المحتضرة المتشابكة في البلاستيك على الإنترنت، فإن هذه الصور لا تروي القصة كاملة.

تُصدَّر ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية سنويا من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، مع تعهدات غير مضمونة بإعادة تدويرها، لكن في أغلب الأحيان، ينتهي المطاف بهذه النفايات في مكبات النفايات أو تُحرق، مما يُخلِّف آثارا وخيمة على صحة المجتمعات المُستقبِلة والبيئة المحيطة.


لا ينتهي كل البلاستيك غير المعاد تدويره من الشمال العالمي في المحيط، حيث يتم شحن جزء كبير منه إلى بلدان الجنوب العالمي، ويتراكم في كثير من الأحيان في مكبات النفايات المفتوحة، أو في عمليات إعادة التدوير سيئة التنظيم، مما يخلق عواقب بيئية واجتماعية خطيرة.

تُعرف ممارسة الدول المتقدمة الاستهلاك المفرط وتصدير نفاياتها، وخاصة النفايات البلاستيكية، إلى الدول الأقل نموا، والتي غالبا ما تفتقر إلى البنية التحتية الكافية لإدارة النفايات، باسم "استعمار النفايات (أو البلاستيك)".

ويشير هذا المفهوم إلى قيام الدول الغنية بتصدير البلاستيك وأنواع أخرى من النفايات إلى الدول الفقيرة، غالبا تحت ستار إعادة التدوير. ويترتب على ذلك مخاطر بيئية وصحية على الشعوب والمجتمعات التي تُركت للتعامل مع تلك النفايات.

استعمار النفايات

ولا يقتصر تصدير النفايات على الضرر البيئي فحسب، بل يعكس تفاوتا منهجيا ونمطا تاريخيا من الاستغلال. ويربط هذا المصطلح بين الاستعمار التاريخي، حيث جُرِّدت الموارد الطبيعية والعمالة من المناطق المستعمَرة، وتجارة النفايات الحالية، حيث يُلقى عبء الضرر البيئي مجددا على عاتق الأقل مسؤولية عنه.

فمع استمرار ارتفاع استهلاك البلاستيك، لا يوجد سوى حلين للتخلص من نفاياته: الحرق أو الإغراق، ويُصبح الحرق الخيار الوحيد المعقول إذا لم تسمح الدولة بالإغراق واسع النطاق للنفايات داخل حدودها.

ويُخلّف حرق البلاستيك بصمة كربونية كبيرة، تسعى معظم الدول المسؤولة عن النفايات البلاستيكية إلى الحد منها. ونتيجة لذلك، يختار البعض تجنب كلا الخيارين، وتصدير نفاياتهم إلى دول أخرى، ويفضل أن يكون ذلك إلى دول ذات أنظمة إدارة نفايات وقوانين أكثر مرونة.

لسنوات عديدة، دأبت الدول ذات الدخل المرتفع، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا، على تصدير نفاياتها البلاستيكية إلى الخارج بزعم إعادة تدويرها، لكن الواقع أكثر تعقيدا.

فقد كشف تقرير صادر عن وكالة التحقيقات البيئية الأميركية "إي آي إيه" (EIA) أنه في عام 2023، كانت هولندا وألمانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا من بين أكبر مُصدّري النفايات إلى الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

لأكثر من 20 عاما، كانت الصين أكبر مستورد في العالم للبلاستيك والنفايات الأخرى. ونظرا لافتقارها إلى الموارد المحلية، بدءا من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فقد قبلت البلاد القمامة من الدول الأكثر ثراء لاستخدامها كمواد خام لصناعاتها.

وأدت هذه الآلية التي اتبعتها بيكين إلى تلوث خطير ومخاطر صحية في البلاد. وفي عام 2018، حظرت الصين استيراد النفايات البلاستيكية.

ومنذ ذلك الحين، أعادت الدول الغربية توجيه صادراتها إلى أجزاء أخرى من آسيا وأفريقيا. واستحوذت دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام وتايلند والفلبين على جزء كبير من الواردات، ووصل الكثير منها بشكل غير قانوني أو معلن عنه بشكل خاطئ.

أما بالنسبة لأفريقيا، فقد أصبحت غانا تدريجيا أرضا لإلقاء النفايات، خصوصا القادمة من المملكة المتحدة، وتبعت المكسيك وبيرو في أميركا اللاتينية خطواتها.

وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كانت 5 من أكبر 20 دولة مستوردةً للنفايات البلاستيكية في العالم دولا غير أعضاء في المنظمة في عام 2023.

وأصبحت ماليزيا أكبر وجهة عالمية، حيث استقبلت 0.61 مليون طن من النفايات البلاستيكية، وارتفعت واردات النفايات أيضا في فيتنام بنسبة 3% وإندونيسيا بنسبة 26%، مما يُبرز التحول المستمر في أنماط التصدير.

فشل اللوائح

وعلى الرغم من الجهود العالمية، مثل اتفاقية بازل لعام 1989، وهي معاهدة دولية صُممت للحد من نقل النفايات الخطرة وغيرها عبر الحدود ومنع الاتجار غير المشروع بها، لا تزال تجارة النفايات البلاستيكية غير المشروعة مستمرة، لا سيما في الدول الغنية. ويعود ذلك إلى فشل اللوائح الدولية والأنظمة الوطنية الرامية إلى إدارة البلاستيك بمسؤولية.

ومن الأمثلة على ذلك المملكة المتحدة، حيث تشير التقارير إلى استخدام سجلات إعادة تدوير مزيفة لجني حوالي 50 مليون جنيه إسترليني سنويا (نحو 67 مليون دولار)، مما يسمح بتصدير البلاستيك إلى الخارج تحت مسمى "معاد تدويره" زائفا.

وحسب الخبراء، فإن هذا "الاحتيال" لا يقوض جهود إعادة التدوير الحقيقية فحسب، من خلال إخفاء النفايات على أنها قابلة لإعادة التدوير، بل يُمكن أيضا المملكة المتحدة والدول الغنية الأخرى من تحميل دول الجنوب العالمي العبء البيئي.

عواقب وخيمة

بالنسبة لدول الجنوب العالمي، تفاقم هذه التجارة الفقر، وتُسهم في انتشار الأمراض، وقد تُسبب ضررا دائما للناس والبيئة في البلدان المُستقبلة للنفايات. كما تُعزز أنماط الاستغلال القديمة، المُشابهة لتلك التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

ففي سورابايا بإندونيسيا، تكشف التقارير أن المجتمعات المحلية كانت تحرق النفايات البلاستيكية، بما فيها المستورة منها، كوقود لإنتاج التوفو (جبن نباتي)، مما أدى إلى اكتشاف الديوكسينات في بيض الدجاج المُجاور.

يمكن لدول الجنوب التخلص من أعباء التلوث البلاستيكي الناجم عن النمط الاستهلاكي الغربي عبر محاسبة الشركات على نفاياتها من خلال سياسة مسؤولية المُنتِج الموسعة، ومنح الدول مزيدا من الصلاحيات لرفض شحنات النفايات الضارة، ومعالجة المشكلة من جذورها. إلا أن هذه الحقوق غالبا ما تضعَف بسبب التبعية الاقتصادية، والفساد، ومحدودية القدرات التنظيمية في البلدان الفقيرة.

ومع ضعف الإمكانيات في دول الجنوب، تقع معظم المسؤولية على عاتق الدول الغنية، فبدلا من إلقاء نفاياتها على الدول الفقيرة، ينبغي عليها الاستثمار أكثر في أنظمة نفايات محلية عادلة، بحيث لا يُترك أي مجتمع ليواجه تلوثا لم يتسبب فيه.

وتبدو المعاهدة العالمية للبلاستيك التي قد تدخل حيز التنفيذ مع بداية العام المقبل فرصة لوضع قواعد قابلة للتنفيذ ومساءلة حقيقية عن إنتاج البلاستيك ونفاياته، واتخاذ إجراءات جادة وسياسات جريئة، والاتجاه نحو تعاون عالمي لمواجهة "استعمار النفايات" وعواقبه.

يقرأون الآن