لبنان

جعجع: "القوّات" ضمير المجتمع ولا أحد "يغَبِّر" على نوابنا

جعجع:

شدد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع على أن "الوقت جاء لنقول لهم جميعاً: قشّة لَفّة، ودفعةً واحدة: "باي باي يا بشعين". وقال: "بمجرّد أن بدأنا نقلب الموجة في الانتخابات الطالّبيّة من موضعٍ إلى آخر، كنّا كلّما ربحنا كلّيّةً يقول الشباب—وقد تعلّمتُ العبارة منهم—"باي باي يا حلوين". "حلوين"؟ لا، هذا غيرُ صحيح؛ إذ نكون بذلك نكذّب الواقع والتاريخ. لأنّهم فعلًا "بشعين". انتبهوا، نحن لسنا ضدّ أشخاصٍ بقدر ما نحن ضدّ تصرّفاتٍ بعينها، لذلك نعم "بشعين"، فتصرفاتهم قبيحةٌ جدّاً. أمّا الأشكال، فمتفاوتة، بعضهم مقبول، وبعضهم جميل، وآخرون ليسوا كذلك، ولكنّ تصرّفاتهم جميعاً—"على بعضن قشّة لَفّة"—قبيحةٌ جدّاً، وهي التي أوصلت حال البلد إلى ما هو عليه".

كلام جعجع جاء خلال لقائه وفداً من طلاب "القوّات اللبنانيّة" في جامعتي NDU وLAU، في حضور: الأمين المساعد لشؤون المصالح نبيل أبو جودة، رئيس مصلحة الطلاب عبدو عماد، رئيس دائرة الجامعات الأميركية في المصلحة جان مارك نمور، مسؤول ملف LAU في الدائرة مارك اسطفان، رئيس خليّة NDU أنطوان حنين، رئيس خلية LAU-جبيل جوزي نون ورئيس خلية LAU-بيروت إيليو ساسين.

ولفت جعجع إلى أنني "أتذكّر كيف كنّا في أعماركم وبدأنا نعمل ونبني. وأنتم اليوم، رويداً رويداً، ينبغي أن تُعِدّوا أنفسكم لتبدأوا بتولي الدفّة وتبنوا وتعملوا، لكي تستطيعوا— "بالوزنات العشر التي ستأخذونها—أن تجعلوها عشرين وزنة، لا أن تبقى كما هي أو—لا سمح الله—أن تنقص".

وأوضح جعجع، متوجّهاً إلى الطلاب، أنه "على كلّ واحدٍ منّا أن يحدّد: لماذا هو موجودٌ في هذه الحياة؟ في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، تعرّض ويتعرّض الشباب لموجاتٍ هائلة لا ينتج عنها شيء، موجات—في رأيي—مُدمِّرة. أنتم تتلقّون موجاتٍ و"موضات" طويلةً عريضة لا صلة لها بواقع الحياة، ولذلك يجب أن تحدّدوا أنتم ماذا تريدون". وقال: "عموماً لدينا خياران اثنان: إمّا أن يقرّر أحدُكم أن يعيش حياة عاديّة، يهتمّ بالــ"Carrière" الخاصّة به، وببيته وأولاده، ويتزوّج ويكون إنساناً صالحاً، وتكون هذه هي المسألة كلها بالنسبة إليه. وإمّا أن يختار أن "يعيش التاريخ"، أي أن يكون ابنَ قضيّة، يعيش من أجل شيءٍ معيّن، غير "عيشته" الأوّليّة "la vie primaire" التي تنحصر بالأولاد والعائلة فحسب. هذه العيشةُ ضروريّة بالتأكيد لأنّ المجتمع يقوم عليها، لكن إلى جانبها مهمّ جدّاً أن يعيش المرءُ دائماً من أجل قضيّةٍ سامية. عندما يتوقّف الناس عن العيش لقضيّةٍ سامية تنتفي الأخلاقيّةُ الكبرى في البلاد. انتبهوا: الأخلاق ليست مجرّد ألّا تسرق وألّا تقتل… فهذه أخلاقيّةٌ جزئيّة فرديّة؛ أمّا الأخلاقيّةُ الأساسيّة العامة فهي أن تعملَ من أجل التاريخ، من أجل مسار سليم للأحداث، لكي تمضي البشريّةُ إلى الموضع الذي ينبغي أن تمضي إليه".

واستطرد جعجع: "البشريّة ليست قطيعَ غنمٍ تائهاً هنا وهناك، يجب أن نأخذها في اتّجاهٍ معيّن. إن ابنَ القضيّة هو الذي يرفد هذه المسيرة بالذات. وأنتم، كأبناء وبناتٍ للقوّات اللبنانيّة، في صلب الناس الذين يريدون أن يأخذوا الأحداثَ في اتّجاهٍ من دون سواه. إذاً نحن أولادُ قضيّةٍ نعيش من أجل شيءٍ معيّن. كنتُ أدعو سابقاً إلى ألّا نعيش عيشةً بيولوجيّة فحسب. تلك عيشةُ العنزة: ترعى نهاراً وتنام ليلاً وتلد وتهتمّ بصغارها، وتلك هي الحياة كلّها بالنسبة إليها؛ هذه هي العيشة البيولوجيّة. أمّا نحن فلا؛ عيشُنا لا ينبغي أن يكون بيولوجيّاً. أتمنّى عليكم أن تدخلوا رويداً رويداً هذا المجال كلَّه لتُعطوا حياتكم معناها اللازم. أنتم تعرفون في أوروبا وأميركا كم من أمورٍ مؤمَّنة، ومع ذلك، هل نرى الشبية هناك "Épanouie" ومُبتهجةً في حياتها؟ في الحد الأقصى نرى الواحدَ منهم يعيش على قدّ حاله—لا ماليّاً، إذ عندهم مالٌ وفير—لكن يعيش "من قلّة الموت"، وهذه هي القصّة بالنسبة لهم. أمّا نحن فأبناءُ قضيّة؛ نريد أن نعيش "من كَثْرة الحياة، لا من قلّة الموت".

وتابع جعجع: "لنذهب أبعد من ذلك: أنتم بالذات، ما من أحدٍ منكم—ممّن هم في هذه القاعة—إلّا وله أبٌ وأمّ—وعلى الأرجح ما زالا معنا—وله جدّةٌ وجدّ—نصفُهم موجودٌ ونصفُهم غائب—ومن هناك فصاعداً هناك أبو جدّتكم وأبو جدّكم، وجدُّ جدّكم وجدُّ جدّتكم… إلى آخره، على امتداد ألفٍ وخمسمئة سنة؛ هؤلاء خاضوا صراعاً مريراً ليورثونا هذه الأرض التي نحن عليها الآن. فمن يعيش مقطوعًا عن مساره التاريخيّ يصير إنساناً صغيراً—إنسان "Minus"، "Minuscule". ولكي يعيش المرءُ نفسَه ويكونُ إنساناً جادّاً، لا بدّ أن يحيا في تواصلٍ تامّ مع تاريخه كلّه ومع الأجيال السابقة، لا بالعادات والتقاليد، بل بالقضايا التي خاضوها. آباؤُنا وأجدادُنا وأجدادُ أجدادِنا تعبوا كثيراً وضحّوا كثيراً. نحن الآن نتحدّث عن شهدائنا كقوّات لبنانيّة—وهذه مجرّد دفشة واحدة، جيلٌ واحد—لكن صدّقوني: إذا قلنا خمسون جيلًا أو مئة جيلٍ عبر ألفٍ وخمسمئة سنة، ففي كلّ جيلٍ شهداء، وبعض الأجيال شهداؤها أكثر بكثير من جيلِنا؛ في كلّ جيلٍ عدد كبيرٌ من الشهداء لنصل إلى هنا. أفَيَحقّ لنا أن نترك لبنان، فقط لأنّنا في دبي وجدنا وظيفةً أفضل ممّا وجدناه في لبنان، أو لأنّ العيشة في فرنسا أحلى، أو… لأيّ سببٍ آخر!؟ الجواب: أبداً. نحن أولادُ قضيّةٍ بالمطلق، سواء كنّا في لبنان أو في أميركا أو في تشيلي. شاءت الظروفُ أن نكون في لبنان؛ فلذلك سنكون أكثر فأكثر أولادَ قضيّة، لأنّ لبنان يحتاج إلى عملٍ كثير".

واعتبر أن "ليس هناك من مجتمعٍ يمكن أن يستمرّ من دون ضمير، كلُّ مجتمعٍ بحاجةٍ إلى ضمير، والقوّات اللبنانيّة هي ضميرُ هذا المجتمع. هكذا هي القوّات. هذا نحن، وهذا عملُنا، جيلًا بعد جيل، لنكون حقًّا ضميرَ المجتمع. وهذه المسؤوليّة على عاتقكم. أنتم اليوم فرحون—بانتصاركم الانتخابيّ—وأنا فرحٌ أكثرَ منكم، لكن إلى جانب الفرح ينبغي الانتباه إلى أنّ هذا الانتصار يرتّب عليكم أعباء كبيرةً جدّاً؛ لأنّه يعني أنّنا نُثبت أكثر فأكثر أنّنا ضميرُ المجتمع". وقال: "لقد جاءت الناسُ جميعها في اتجاهنا؛ فماذا تعني غير ذلك النتيجة التي حقّقتموها—وبـ"One man one vote" في "LAU"، وبنظامٍ نسبيٍّ في "NDU"—!؟ تعني أنّ الناس أتت إلينا ومنحتنا الثقة. فماذا ستقدّمون لهم مقابل هذه الثقة؟ طبعاً هناك قِسمٌ عليكم—قِسمٌ صغيرٌ الآن لأنّكم ما زلتم صغاراً—وقِسمٌ كبيرٌ علينا. فإذاً، علينا جميعاً أن نتحمّل المسؤوليّة، وأن نعي حجمَها".

وأردف: "لقد ربحنا الانتخابات الطالّبيّة في "LAU" و"NDU"، وأكيد أنّكم في الشهر أو الشهرين الأخيرين لم تناموا ليلاً ولا نهاراً وكنتم تعملون؛ لكن لا تخطئوا الحساب في أنّ هذا وحده سببُ الفوز؛ إنّه أحدُ الأسباب، السببُ المباشر. ولتبسيط المسألة إنه كمثل شاب أهله زرعوا حديقة أشجار ناميةً مُتقَنة، فجاء هو وأحسنَ جَمعَ المحصول وتغليفه وتنظيمَ فرقِ العمّال لجني الثمار؛ وبذلك لا ينبغي أن يظنّ أنّه هو من زرع الأشجار ورعاها حتى أثمرت. وبالتالي، فالذي حقّق لنا هذا الانتصار مسيرةٌ طويلةٌ عريضة بدأت منذ خمسين سنة ولم تتوقّفْ لحظة ومرّت هذه المسيرة بمطبات كبيرة. أقول هذا لأشدّد على أنّه، في نهاية المطاف، إيّاكم أن يَخفتَ إيمانُكم؛ ففي التاريخ "لا يَصِحُّ إلّا الصحيح"، شريطةَ أن يوجد من يدافع عنه ومن يثبت في نصرتِه. وإذا قارنتم أين كنّا قبل عشرين سنة، وأين كان "البقية" وأين نحن اليوم وأين هم، سترون أنّه "ما بيصحّ إلّا الصحيح".

واستطرد جعجع: «لقد ربحنا هذه الانتخابات أولاً بفضل تنظيمكم وعملكم، لكن أساساً - وأُميّز بين المستويين التكتي والاستراتيجي، "au niveau tactique" و"au niveau stratégique"- ربحناها بفضل مسيرةٍ طويلةٍ عريضة؛ ربحنا لأنّ "القوّات" على الدوام متفانية وتدافع عن الناس، ولا تهرب عند أوّل "فقسِة"، فهي أكثر ما تكون حضوراً عند ساعة الخطر، لتدافع عن الآخرين. ولأنّ الناس جميعها تتحدّث عن نوّاب "القوّات" —هل سمعتم عن نائبٍ عندنا، ولو واحد، اتُّهم بالفساد أو بفعلٍ مُسيء؟— نوّابُنا رأسُ حربةٍ دائماً في المجلس، ولا أحد "يغَبِّر" على أيٍّ منهم؛ أداؤهم ممتاز. ولدينا أكبرُ تكتّلٍ نيابيٍّ اليوم. وأمّا وزراؤنا، فمنذ خمس عشرة سنة، لا أحد يملك "خبريّة" واحدة سيّئة عن وزيرٍ من وزرائنا".

وشدّد جعجع على أنّه "صحيحٌ أنّ علينا أن نفرح بالانتصار، لكن إلى جانب الفرح ينبغي إدراكُ المسؤوليّة المُلقاة على عاتقنا. وبالتأكيد بعدما ربحنا الانتخابات علينا الآن أن نجسّد هذه المسؤوليّة، ولاسيّما أنتم على مستوى الجامعات التي فزتم فيها. يجب أن تعملوا ليلاً ونهاراً لمصلحة جميع الطلاب —من صوّت لنا ومن لم يصوّت— فمن له حقٌّ يأخذه، ومن ليس له حقٌّ لا يأخذه. وبهذه الطريقة نقدّم أفضلَ مثالٍ عن أنفسنا: نحن رجالُ دولة، لأنّ رؤوسَنا رؤوسُ دولة".

وختم جعجع: "الأهمّ من ذلك كله: أريدكم أن تُحضّروا أنفسكم للانتخابات النيابيّة؛ ليس لأنّنا نريد زيادة نائبٍ أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة—لا—بل لأنّنا نريد تأثيراً أكبر في مسار الأحداث في لبنان، لنسوقَ الأحداثَ في الاتّجاه الذي نناضل من أجله منذ خمسين سنة إلى اليوم. يعطيكم مئة ألف عافية".

وكان قد استُهل اللقاء، بالنشيد الوطني ونشيد حزب "القوّات اللبنانيّة"، ومن ثم كانت كلمتان لرئيس خليّة NDU أنطوان حنين ومسؤول ملف LAU في دائرة الجامعات الأميركيّة في مصلحة الطلاب مارك اسطفان، وضعا فيها رئيس "القوّات" في أجواء المعركة الإنتخابيّة ونتائجها، ومن ثم كانت كلمة لرئيس ملصحة الطلاب عبدو عماد، حيّا فيها الطلاب على جهودهم وعملهم، وطالبهم بالإستمرار في العمل بالوتيرة ذاتها للانتخابات النيابيّة. فقد اعتبر أن هذه الانتخابات تُعدٍّ كامتحان فصلي في السنة الدراسيّة فيما الأهم هو الإمتحان النهائي وهو الإنتخابات النيابيّة.

يقرأون الآن