دولي

كيف يخطط "حزب الله" للانتقام في الجولة المقبلة؟

كيف يخطط

منذ اندلاع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في 2023، تعرضت قدرات حزب الله لضربات موجعة على مستوى التسليح والقيادة والبنية التحتية. رغم ذلك، تشير دلائل عدة إلى أن الحزب شرع في عملية إعادة بناء منظوماته بصورة منهجية وبوتيرة متزايدة، مع تركيز واضح على ما يمكن أن يوفّر أقصى تأثير بأقل تكلفة وبأدنى حاجة لبُنى تحتية مكشوفة. هذه التطورات قد تغيّر موازين الخطر في الجولات المقبلة، سواء على الحدود الشمالية أو في العمق الإسرائيلي.

خلال المواجهة السابقة اعتمد حزب الله تقليدياً على مزيج من صواريخ باليستية دقيقة مثل نسخ «فاتح 110» الإيرانية، وقذائف راجمات متعددة من فئات «فجر-5» و«غراد»، إلى جانب مخزون واسع من القذائف الصاروخية غير الموجهة. إلا أن الضربات الجوية والاستخبارية الإسرائيلية نجحت في تقويض جزء كبير من تلك المنظومات، وأظهرت الحرب محدودية قدرة التنظيم على خلق كتلة نارية مستدامة في الميدان. فلم يتجاوز معدل الإطلاق اليومي المطلوب لممارسة ضغط حاسم حدود 230 قذيفة في اليوم إلا لمرة واحدة في أواخر آب 2024، وهو رقم يعكس مشكلات لوجيستية وبطءاً في نقل وتهيئة منصات الإطلاق تحت ضغط التصدي الجوي.

في المقابل، برزت أسلحة أكثر بساطة ولكنها فعالة عملياً: القذائف المحلية الصنع ذات زمن طيران قصير مثل «البركان» التي صعّبت مهام الاعتراض الجوي، وصواريخ موجهة مضادة للدروع من طراز «ألماس» التي تتيح استهدافاً دقيقاً من مواقع مخفية ومن دون خط رؤية مباشر. هذان النوعان من الأسلحة يقدمان مثالاً على كيفية تحقيق تأثير قتالي ملموس بتكاليف منخفضة نسبياً ومع اعتماد أقل على شبكات لوجستية معقّدة.

على صعيد الطائرات المسيّرة، دفعت الخسائر الفادحة في الطائرات الكبيرة حزب الله إلى تبنّي مقاربة المقايضة بين الكلفة والفعالية. استثمار عشرات السنين وأموال طائلة في طائرات مسيرة من فئة «شاهد-129» ونسخ نفاثة وصواريخ كروز بعيدة المدى لم ينعكس في أداء حاسم أمام الضربات الجوية، ما دفع التنظيم إلى التوجّه إلى الإنتاج الكمي لنماذج صغيرة ورخيصة مثل «أبابيل T»، «صمد 2»، و«شاهد 101/107». هذه الأدوات، وإن كانت أحادية الاستعمال في كثير من الأحيان، تتيح إطلاق موجات متكررة من الهجمات بتكلفة إجمالية منخفضة وتخفي متطلبات التخزين والبنى التحتية المعقدة.

تكتيكياً، التحوّل الأكثر إثارة للقلق يكمن في خفض الاعتماد على العنصر البشري المعرض للخطر: صواريخ موجهة يمكن إطلاقها من مخابئ محصنة أو حتى من حفر أرضية، وطائرات مسيّرة صغيرة لا تحتاج إلى ممرات إقلاع أو قواعد واضحة، كلها تقلص الحاجة إلى قوى بشرية كبيرة وتجعل مَن يقود الهجوم أقل عرضة للاكتشاف أو الاستهداف. بهذا المعنى، يصبح التهديد أكثر فعالية لكل عنصر فردي من التنظيم، وتصبح عملية تفكيك الشبكات وإحباطها أصعب وأطول زمنياً.

من ناحية أخرى، لا ينبغي التقليل من قدرات الكشف والاعتراض الإسرائيلية التي لعبت دوراً حاسماً في الإحباط خلال الجولة السابقة. نجاحات منظومات الدفاع الجوي والاستخبارات الجوية حدّت في كثير من الأحيان من تأثير موجات الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما أن عمليات تدمير منصات الإطلاق والمخازن أثّرت مباشرة في القدرة التشغيلية للحزب. مع ذلك، التراجع إلى أدوات أخفّ وزناً وأكثر تجزؤاً يضع أسئلة جديدة حول مدى فاعلية نماذج الاعتراض الحالية أمام هجمات متماثلة وموزّعة بكثافة.

سياسياً، فإن قدرة الحزب على إعادة التسلّح جزئياً وبسرعة تستند أيضاً إلى بيئة لبنانية معقّدة تسمح بمرونة نسبية في إعادة البناء، سواء عبر شبكات محلية أو عبر تدفقات دعم إقليمية. هذا الواقع يجعل أي انتصار عسكري لحظةً فقط ضمن سياق أوسع يتطلب معالجة سياسية ودبلوماسية شاملة لمنع تكرار التصعيد وتحجيم القدرة العملياتية للتنظيم على المدى المتوسط.

الخلاصة العملية التي تفرض نفسها هي أن المواجهة المقبلة ليست محكوماً عليها بأن تكون شبيهة بالسابقة: تطور في مضمون التهديد قد يؤدي إلى مواجهات أكثر تعدّداً وتعقيداً، حيث تصبح الأسلحة الرخيصة والمتاحة بكميات كبيرة، والقادرة على الإخفاء والتشظي في الشبكة القتالية، السلاح المفضّل لخلق إرباك وتأثير. في مثل هذه البيئة، تتطلب الاستجابة مزيجاً من تحديث الاستعدادات الاستخبارية والاعتراضية وتوسيع أدوات التعامل المدني والعسكري مع تهديدات متفرقة وصغيرة الحجم لكنها متكررة، وإجراءات سياسية تقوّض قدرة التنظيم على إعادة بناء ترسانته دون رعاية أو ظرف سياسي يسهّل ذلك.

يقرأون الآن