مع المتغيرات السريعة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط، لا سيما مع الحضور الصيني وما نتج منه من رعاية لاتفاق سعودي – ايراني، فان السؤال الذي يُطرح، هل سيقوم نظام اقليمي جديد في ظل التقارب الذي يحصل بين بعض الدول، التي تعمل بشعار "صفر مشاكل"؟ فقد برز تقارب سعودي – سوري، عبّر عنه المسؤولون في الدولتين، فتحدث الرئيس السوري بشار الاسد عن ان المملكة لم تنخرط كليا في الحرب على سوريا كما فعلت انظمة اخرى عربية او اجنبية، وقد سبقه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بالتأكيد على ضرورة وجود سوريا في الحضن العربي، وهي ضروة للعالم العربي، وسيزورها لاحقا مع الاستعداد لاعادة فتح السفارات بين البلدين.
وقبل السعودية، افتتحت الامارات العربية المتحدة العلاقات مع سوريا، والتي لم تقطعها بشكل كامل، وكانت اول من قدم المساعدات لها بعد الزلزال الذي اصابها، حيث شجعت دولاً عربية اخرى على المجيء الى دمشق وتقديم العون لها ،كالاردن ومصر والعراق وتونس والجزائر...
فالمنطقة في حال ترتيب اوراقها، وفق توصيف احد الباحثين المتابعين للشأنين السياسي والعسكري من خلال قراءة استراتيجية وعلمية، اذ يشير الى انه من المبكر الحديث عن نظام اقليمي سيقوم في المنطقة، مع الاخذ بعين الاعتبار ما حصل، وقراءة ما يجري من منظور مصالح الامم. ان فتح الحوار بين مصر وتركيا، حيث تواجه الاولى جماعة "الاخوان المسلمين"، وتنحدر الثانية منهم عبر حكم حزب "العدالة والتنمية" صاحب "الفكر الاخواني"، فتقدمت مصالح الطرفين على الجانب العقائدي، وتراجعت انقرة عن احتضان "الاخوان المسلمين" الفارين من النظام المصري، و"عقلنت" خطابها السياسي وارسته على واقعية، وهو ما تحاوله مع سوريا، التي ما زالت ترفض استقبال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، قبل حصول الانسحاب التركي من اراض سورية احتلتها، وفق ما اكد الرئيس الاسد الذي اشار الى انه من المبكر عودة العلاقة مع تركيا، التي فُتح معها حوار امني، والتقى مسؤولون من البلدين برعاية روسية.
ان ترتيب العلاقات وجمع الاوراق وصل الى ايران والامارات، التي زارها امين المجلس القومي الايراني علي الشمخاني، وكانت لقاءاته ايجابية في ابو ظبي وفق تصريحات لمسؤولي البلدين ورغبتهما في الاستقرار بالمنطقة، لا سيما في الخليج، الذي بات امنه اولوية دولة، وهو ممر مائي استراتيجي، تعبر في مياهه سفن محملة بالنفط والمواد الغذائية.
من هنا، فان ما يحصل بين دول المنطقة، يبدأ من تنظيم الخلافات للعبور الى ترتيب البيت الداخلي في غرف متعددة، فاذا اجتمع اطرافه في صالونه، وجلسوا حول طاولة الطعام، يكون مطبخ الطعام قد نجح في طبخ نظام تعاون بين دول المنطقة، قائم على الامن والاستقرار الذي يعزز الاقتصاد، وهو مطلب قديم يعود الى عقود حول "امن الخليج"، الذي اذا استقر فان المنطقة تتجه الى الازدهار بعد اقفال ابواب الحرب، وفتح ممرات التنمية والاقتصاد، الذي تستند اليه الصين في الدور الذي تؤديه في المنطقة والعالم، وهذا ما تعد به الدول، لا كما تفعل اميركا التي كانت تقدم الامن للانظمة، وتطلب منها دفع ثمن حراستها لها، واقامة قواعد عسكرية في بلدانها للدفاع عنها ضد عدو كانت تخترعه اميركا، مرة اسمه "الشيوعية" ومرة ويسمى "الشيعية" الاول بقيادة الاتحاد السوفياتي، واقامت حلفاً له لمحاربتها باسم "حلف بغداد"، ارسى الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور اسسه، والثاني بقيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وما يجري من تطورات متسارعة على المستوى الدولي كما الاقليمي، سيفرض تغييراً في "الجغرافيا السياسية" ولن يقاد العالم بقطب واحد ترأسه اميركا، التي لم تعد "زعيمة العالم الاوحد"، بل هي دولة من الدول الكبار، فتنافسها روسيا كما الصين، وتخضع لها دول اوروبية، لكن الخارطة العالمية تتغير مع ظهور دول تحتل مكانة عالمية كالصين، التي تلقب بـ "المارد"، وهي تقدم المصالح الاقتصادية على الدوافع العقائدية، فهي لا تسلك طريق الحرير لتنشر "الشيوعية الماوية"، بل لتسوق لمنتجاتها التي تأخذ عليها اميركا بانها مستنسخة عن النماذج الصناعية الغربية لكن الصين تقدمت في المجال الصناعي، وباتت لها ابتكاراتها وفق متابع للتطور الصيني في مجالات التكنولوجيا، والمقاولات، والصناعات الخفيفة وهي المصدر الاول في العالم، وميزانها التجاري لصالحها، وهو ما يعترف به مسؤولون في الادارات الاميركية المتعاقبة، حيث اتخذ الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب اجراءات وعقوبات ضد الصادرات الصناعية الصينية التي تغزو السوق الاميركية.
فقيام نظام اقليمي قوامه عالم عربي او دول منه وايران وتركيا، بعيد المنل في الوقت القريب، لكنه ليس مستحيلاً، والدول تنشئ التحالفات وفق مصالحها، كما حصل مع دول "البريكس"، وهو تجمع كل من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، حيث نجح في فرض نفسه اقتصادياً وحتى عسكرياً، اذ باتت اميركا تشعر بانكفائها، والخليج بدوله لم يعد مطواعا، ولا يمكن لواشنطن ان تستخدم "مطوعها" (الشرطي الاميركي) حيث تحاول الدول ان توازن بين مصالحها.
صحيفة الديار