حذرت الإدارة العامة للسدود في الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا من كارثة إنسانية وبيئية واقتصادية على المنطقة، وأكدت أن المخزون الفعال لبحيرة سد الفرات فقد أكثر من 7 أمتار، فيما تقلص إنتاج الكهرباء إلى أقل من 50 ميغاواط، وهناك حاجة ملحة لزيادة الوارد المائي وتدخّل دولي عاجل.
ويشهد نهر الفرات انخفاضاً حاداً في الوارد المائي من الجانب التركي، ما يفاقم أزمة المياه في إقليم شمال وشرق سوريا منذ بداية العام الجاري، مخلفاً آثاراً بالغة على المزروعات والمحاصيل الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، تضطر الإدارة العامة للسدود إلى تقنين التمرير عبر قناة ري البليخ، ما يؤثر على الزراعات الممتدة على مساحة 90 ألف هكتار في مقاطعات الطبقة والرقة ودير الزور.
وحول حجم الانخفاض، أشار عضو الإدارة العامة لسدود إقليم شمال وشرق سوريا عماد عبيد إلى أن: "نهر الفرات يشهد انخفاضاً غير مسبوق في منسوب المياه نتيجة نقص الوارد المائي من قبل الجانب التركي، إذ كان المنسوب الأعظمي لبحيرة سد الفرات 304 متر فوق سطح البحر في الأحوال الطبيعية، أما في هذه الظروف وصل المنسوب الحالي إلى 296,35 متر وفقدت البحيرة 7,70 متر من المخزون الفعال، وهذا ينذر بكارثة إنسانية وبيئية واجتماعية تنعكس على حياة ما يقارب 7 ملايين نسمة موزعين على ضفتي نهر الفرات".
انحسار المزروعات
وبيّن عبيد تأثر الزراعات في حوض الفرات بهذا النقص، حيث يشتهر الحوض بزراعة القمح والذرة الصفراء والقطن بالإضافة إلى الأشجار المثمرة والمحاصيل التكثيفية.
وأضاف عبيد أنه: "بسبب نقص الوارد المائي تضررت زراعة القطن بشكل كبير، فيما انخفض إنتاج باقي المحاصيل إلى ما يقارب النصف".
كما أن نقص منسوب مياه نهر الفرات أثر على الأهالي من الناحية البيئية والصحية نتيجة ركود المياه وظهور التلوث والطحالب، ما أدى إلى انتشار أمراض مثل التلبك المعوي وغيرها.
انتكاسات في الطاقة
ولم يكن قطاع الطاقة بمنأى عن الأزمة، إذ يوجد في سد الفرات أربع مجموعات داخلة في العمل لإنتاج الكهرباء من أصل ثماني مجموعات، وتبلغ استطاعة كل مجموعة 110 ميغا واط، تعطي في مجملها في الأحوال الطبيعية 440 ميغا واط ساعي، إلا أن الناتج الحالي لا يتجاوز 50 ميغا واط.
وشرح عبيد أن: "كل 1 كيلو واط ساعي يحتاج إلى 6 أمتار مكعبة من المياه لتوليده في الأحوال العادية، أما اليوم فيستهلك 11,5 متر مكعب نتيجة انخفاض ضغط المياه، وإذا استمر الوضع على هذه الحال قد يصل احتياج إنتاج الكيلوواط الواحد إلى 20 متراً مكعباً".
استهلاكات تفوق الوارد
وتبلغ الاستهلاكات من نهر الفرات 250 متراً مكعباً في الثانية، موزعة على 100 متر مكعب ضياعات وتبخر، و150 متراً مكعباً للري والشرب، وهي كمية توازي الوارد المائي الحالي من تركيا، وتتم تغطية حاجة توليد الكهرباء البالغة 20 متراً مكعباً في الثانية من المخزون الاستراتيجي للبحيرة، التي تخسر يومياً 22 مليون متر مكعب من مخزونها مع استمرار انخفاض الوارد.
تدابير اضطرارية
وفي ظل هذه الحالة، اضطرت إدارة السدود إلى اتخاذ إجراءات للحفاظ على المستوى الحالي للمنسوب، تشمل زيادة ساعات التقنين الكهربائي وتخفيض تمرير المياه عبر قناة مأخذ الري (البليخ) إلى النصف، حيث كان التمرير سابقاً 90 متر مكعب في الثانية، فيما تقلص اليوم إلى 45 متر مكعب في الثانية.
وأوضح عبيد أن: "خفض التمرير يشكل خطراً كبيراً على حياة الكثيرين ويؤثر على الموسم الشتوي ومحاصيله الاستراتيجية مثل القمح، أما الكارثة الكبرى إذا استمر الوضع هكذا فستكون في المحاصيل الصيفية للعام القادم".
قناة ري البليخ
ويبلغ طول قناة ري البليخ 150 كم وتمتد من سد الفرات في مقاطعة الطبقة إلى جزرة البوحميد ومطب البوارشد في دير الزورالغربي، وتغذي سهول الفرات بطاقة أعظمية تمرير 140 متر مكعب في الثانية، بينما يُمرر فيها خلال الذروة الصيفية 90 متر مكعب في الثانية، وتروي القناة مساحة زراعية تتجاوز 90 ألف هكتار، وتشمل مناطق أبرزها السويدية والسلحبيات وتل السمن واليمامة والأندلس والكرامة والأحوس، كما تؤمن مياه الشرب والري عبر المضخات الممتدة على طولها من الطبقة حتى دير الزور لما يقارب 2 مليون نسمة.
مخاوف على هيكل السد
وكشف عضو الإدارة العامة للسدود في إقليم شمال وشرق سوريا عماد عبيد، أن المخاطر تزداد على جسم سد الفرات مع استمرار انخفاض المنسوب، سواء على مجموعات التوليد أو على الجسم الإسمنتي، حيث تتعرض الصفائح الإسمنتية للعوامل الجوية ما يؤدي إلى تشققات وتصدعات يتم ترميمها عبر حقن مواد عازلة للمياه، لكنها تظل إجراءات إسعافية لا تحل المشكلة جذرياً.
العودة للاتفاقية لا تلبي الحاجة
ودعت الإدارة العامة للسدود المجتمع الدولي للتدخل الفوري والضغط على الجانب التركي لتمرير الكمية المتفق عليها في اتفاق عام 1987 بين سوريا والعراق وتركيا، والتي تنص على مرور ما لا يقل عن 500 متر مكعب في الثانية، فيما لا يتجاوز الوارد الحالي 250 متر مكعب في الثانية.
وأوضح عبيد أنه "حتى لو أعادت تركيا ضخ الكمية المتفق عليها، فإن المنطقة بحاجة إلى شهور طويلة لتعويض النقص الذي أوصل كمية المياه في بحيرة السد إلى 9 مليار متر مكعب من أصل 14 مليار متر مكعب".


