الذكاء الاصطناعي واختبار الاستقلال الذهني

يطرح انتشار الذكاء الاصطناعي سؤالاً يتجاوز حدود التقنية: ماذا يحدث لقدرة الإنسان على التفكير حين يصبح التحليل، والصياغة، واقتراح الحلول عمليات متاحة بضغطة زر؟ هذا السؤال لا يتحمل إجابات انفعالية، لكنه يفرض وقفة تتعلّق بوظيفة العقل وليس بكفاءة الأداة.

الاعتماد الكثيف على الأنظمة الذكية يغيّر توزيع الجهد الذهني. فبدل أن يكون التفكير عملية تبدأ بالتساؤل وتنتهي بالخلاصة، يصبح الانتقال مباشرة إلى النتيجة هو القاعدة. هذا الاختصار لا يظهر أثره فوراً، لكنه يتراكم في صورة ضعف تدريجي في مهارات أساسية مثل التركيب، والمقارنة، وبناء الفرضيات من دون دعم خارجي.

في هذا السياق، يُطرح مفهوم التناوب المعرفي بصفته ضرورة تنظيمية لا تمريناً تحفيزياً. الفكرة بسيطة في جوهرها: الفصل المتعمّد بين مراحل التفكير التي تُمارَس بشكل مستقل بالكامل، ومراحل لاحقة يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي لأغراض محددة وواضحة. هذا الفصل يحافظ على دور العقل بصفته نقطة الانطلاق، وليس محطة الاستقبال، ويمنع انتقال مركز القرار إلى الأداة من دون ملاحظة.

التفكير الإنساني لا يعمل بأقصى كفاءة في بيئة خالية من الصعوبة. البطء، والتردد، وإعادة النظر عناصر بنيوية في إنتاج الفهم، وليست أعراض خلل. وعندما تُستبدل هذه المراحل بإجابات مكتملة وسريعة، يصبح الناتج معرفة قابلة للاستهلاك لا للفهم العميق.

القضية في جوهرها ليست أخلاقية ولا تكنولوجية، بل تنظيمية. كيف يُدار وقت التفكير؟ ومتى يُسمح للأداة بالتدخل؟ الإجابة عن هذين السؤالين تحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيبقى وسيلة داعمة، أو يتحول تدريجاً إلى بديل صامت من العقل.

في سياق معرفي يتبدّل على نحو متسارع، يغدو استقلال التفكير فعلاً واعياً متكرراً، لا يتحقق بالشعور بالمخاطر بقدر ما يتجسّد في حسن الاختيار قبل المبادرة، وفي الامتناع المدروس عن التسليم قبل التحقّق.

يقرأون الآن