خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تزايدت حدة وتيرة السباق الاستعماري بين القوى الأوروبية وكادت أن تتسبب بأكثر من مناسبة في اندلاع حروب.
ففي تلك الفترة، عاشت القارة الأوروبية على تزايد حدة التوتر بسبب الخلاف حول احتلال أراضي حوض الكونغو. وتزامناً مع ذلك، اختلف الفرنسيون والإيطاليون حول احتلال تونس كما كادت الحرب بين فرنسا وبريطانيا أن تندلع عقب ما عرف بأزمة فاشودا (Fachoda) حول احتلال أراضي السودان عام 1898.
وإضافة لكل هذه الخلافات، نجت القارة الأوروبية من أزمة أخرى بفضل البابا ليو الثالث عشر (Leo XIII) الذي تدخل لوقف خلاف بين ألمانيا وإسبانيا حول أرخبيل كارولين الذي مثل مجموعة جزر منتشرة بين بحر الفلبين وغرب المحيط الهادئ.
قبل القرن السابع عشر، زار الأوروبيون بضع مرات جزر أرخبيل كارولين. لكن بحلول 1686، حل المستكشف الإسباني فرانسيسكو دي لازكانو (Francisco de Lezcano) في المنطقة وأعلن ملكية التاج الإسباني لها وأطلق عليها هذا الاسم نسبة للتسمية اللاتينية للملك الإسباني شارل الثاني (Charles II).
ورغم إعلان ملكيتها لها، كان الحضور الإداري والاقتصادي الإسباني في أرخبيل كارولين شبه غائب وهو ما جعل هذه الجزر محل أطماع توسعية خلال أوج السباق الاستعماري الذي عاشت على وقعه أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وخلال عام 1885، أعلنت ألمانيا، التي تمكنت من تحقيق وحدتها قبل نحو 14 سنة، عن رغبتها في تحويل أرخبيل كارولين لمستعمرة ألمانية بالمحيط الهادئ متجاهلة بذلك إعلان إسبانيا ملكيتها لهذه الجزر منذ نحو قرنين. فيما جاءت هذه التصريحات الألمانية لتتسبب بحالة من الغضب في إسبانيا حيث عارض المسؤولون السياسيون الأمر واعتبروه انتهاكاً لسيادة بلادهم واعتداء على ممتلكاتها. وخلال الفترة التالية، تصاعدت حدة الخلاف بين الطرفين وكادت أن تتحول لنزاع عسكري بينهما.
أمام خطر اندلاع حرب في أوروبا، اقترحت القوى الأوروبية وساطة البابا ليو الثالث عشر لإنهاء الخلاف والعثور على مخرج من الأزمة. وتزامناً مع ذلك، أعلنت كل من برلين ومدريد قبولهما بوساطة البابا.
وضمن مفاهمة اقترحها البابا ليو الثالث عشر عام 1885 وقبل بها الطرفان، سمح لإسبانيا بالاحتفاظ بجزر كارولين بشكل وصف من قبل كثيرين بالصوري حيث ظلت سيادتها شبه غائبة عن الأرخبيل. في المقابل، حصل الألمان على حقوق اقتصادية وامتيازات عديدة بجزر كارولين حيث سمح للسفن الألمانية في الإبحار بكل حرية بالقرب منها كما نالت برلين حقوقاً اقتصادية وتجارية وسمح للمواطنين الألمان بالإقامة في جزر كارولين والحصول على ممتلكات بها.
من ناحية أخرى، سمح البابا للألمان بإنشاء قاعدة بحرية على إحدى جزر كارولين. غير أن ألمانيا لم تقم بهذه الخطوة قط.
وعقب الحرب الأميركية الإسبانية عام 1898، خسرت إسبانيا كوبا والفلبين لصالح الأميركيين. وخوفاً من فقدانها لجزر كارولين في حرب مستقبلية، قبلت مدريد ببيع هذا الأرخبيل وجزر ماريانا الشمالية لألمانيا مقابل مبلغ عادل 17 مليون مارك ذهبي.


