تشير أبحاث حديثة إلى أن الدببة القطبية، المعروفة بارتباطها الوثيق بمنظومة الجليد البحري في القطب الشمالي، قد تكون في طور تطوير تغيّرات تطورية تساعدها على البقاء في بيئة أكثر دفئاً نتيجة تغيّر المناخ العالمي، وفق نتائج دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة Nature Ecology & Evolution.
وبحسب التقرير الذي نشره موقع "ScienceAlert" العلمي، تأتي هذه النتائج في وقت يشهد فيه القطب الشمالي أسرع معدلات ارتفاع في درجات الحرارة على وجه الأرض، ما تسبب في تقلّص سريع لمساحات الجليد البحري التي تعتمد عليها هذه الحيوانات في الصيد والتكاثر والبقاء.
ما الذي تغيّر في الدببة القطبية؟
وخلال رحلة البحث، درس فريق دولي من العلماء بيانات جينية وسلوكية لآلاف الدببة القطبية، مع مقارنة متوازنة مع بيانات الدببة البنية القريبة منها وراثياً. ووجدوا أن هناك إشارات على اختلافات جينية حديثة تظهر في مناطق متعلقة بعملية الأيض، ووظيفة الجلد، وحتى في استجابات التمثيل الغذائي للدهون.
وتشير هذه التغيرات إلى أن الدببة القطبية قد تكون في طور التحوّل التدريجي للاستفادة من موارد غذائية أوسع خارج نطاق صيد الفقمة على الجليد البحري، والتكيّف مع مواسم أكثر دفئاً وطعام أقل انتشاراً. وهذا لا يعني أن الدببة تكيفت بالكامل مع الظروف الجديدة، لكنه يشير إلى اتجاه تطوري محتمل في مجموعات معيّنة.
أدلة على تغيّرات سلوكية
لم تقتصر الأدلة على التغيرات الجينية فحسب، بل لاحظ العلماء أيضاً أن بعض الدببة القطبية بدأت تظهر سلوكيات غذائية مختلفة في البيئات القريبة من القرى الساحلية. ففي مناطق اختفت فيها طبقات الجليد مبكراً، لوحظت حالات بحث عن طعام في مصادر غير تقليدية، مثل بيئة شاطئية دامجة أو مصادر غذاء بحرية بديلة.
وأشارت بعض الكاميرات التي راقب فيها الباحثون الدببة إلى سلوكيات بحث مطوّلة حول أماكن وجود الحطام البحري، الطحالب، أو حتى بقايا طعام بشري — وهو أمر غير معتاد في التاريخ السلوكي القياسي للدب القطبي.
لماذا هذا مهم؟
الدب القطبي كان يُنظر إليه دوماً كـ"رمز" لتأثيرات الاحتباس الحراري، بسبب اعتماده شبه الكامل على الجليد البحري في الصيد، خصوصاً صيد الفقمات. ومع تقلّص هذا الجليد، انخفضت أعداد الدببة في أجزاء كبيرة من نطاقها التاريخي، ووُضعت العديد من مجموعاتها تحت ضغوط شديدة.
لكن النتائج الجديدة تشير إلى أن الطفرات الجينية والمرونة السلوكية قد تكون جزءاً من استجابة أوسع لتحمّل الضغوط البيئية، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة وغير مؤكدة بعد.
كيف يرى العلماء هذه النتائج؟
يقول الباحثون في الدراسة: "لا يمكننا القول إن الدببة القطبية "تكيّفت بالكامل" مع عالم بلا جليد، لكن ما نراه هو تلميحات قوية على تغيّرات بدأت تتكشف في مجموعات معينة. هذه التغيّرات يمكن أن تعطي الدببة بعض الفرص للبقاء في بيئات أكثر دفئاً، شريطة أن تستمر أعدادها وأن تتحسن الظروف البيئية بما يتيح الغذاء والمساحات اللازمة".
والتركيز العلمي هنا ليس على أن الدببة لن تتأثر من ارتفاع الحرارة؛ بل على آليات الاستجابة التطورية المحتملة التي قد تساعدها في مواجهة تغيّرات غير مسبوقة في موطنها.
التحديات لا تزال قائمة
وبرغم هذه النتائج، يحذر العلماء من أن الضغوط البيئية الحالية أكبر وأسرع من قدرة أي نوع على التكيّف. فزيادة درجات الحرارة وتقلّص الجليد البحري لا يحدّ من تحديات الغذاء فحسب، بل يؤثر أيضاً على التكاثر، وسبل التنقل، والأمان داخل النظام البيئي القطبي.
كما يرى الخبراء أن التطور يستغرق آلاف السنين في كثير من الحالات، في حين أن التغير المناخي يحدث بوتيرة أسرع بكثير. لذا، حتى لو وُجِدت إشارات تكيفية أولية، فإن النجاة الطويلة الأمد للدببة القطبية لا تزال مرهونة بتراجع انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وإجراءات حماية المواطن الطبيعية.


