أدانت المفوضية الأوروبية وعدد من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، بشدة العقوبات الأميركية التي استهدفت خمس شخصيات أوروبية، من بينها المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون، عقب إعلان وزارة الخارجية الأميركية حظر منحهم تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، بدعوى سعيهم إلى “إجبار” منصات التواصل الاجتماعي الأميركية على قمع آراء مخالفة.
وأكدت المفوضية الأوروبية، في بيان رسمي، أن حرية التعبير حق أساسي وقيمة جوهرية مشتركة بين أوروبا والولايات المتحدة في العالم الديمقراطي، مشيرة إلى أنها طلبت “توضيحات” من الجانب الأميركي بشأن هذه الإجراءات، ومشددة على أنها “سترد بسرعة وحزم” إذا اقتضى الأمر، دفاعًا عن استقلالية الإطار التنظيمي الأوروبي في مواجهة ما وصفته بخطوات “غير مبررة”.
ووصف وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول القرار الأميركي بأنه “غير مقبول”، فيما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حظر التأشيرات “يرقى إلى مستوى الترهيب والإكراه ضد السيادة الرقمية الأوروبية”. وقال ماكرون، عبر منصة “إكس”، إن فرنسا تدين هذه القيود، مؤكّدًا أن الأوروبيين سيواصلون الدفاع عن سيادتهم الرقمية واستقلالهم التنظيمي.
من جانبه، دافع وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو عن قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، مشيرًا إلى أنه يرسخ مبدأ مفاده أن “ما هو غير قانوني خارج الإنترنت يجب أن يكون غير قانوني على الإنترنت أيضًا”. كما أعرب نائب رئيس المفوضية الأوروبية للاستراتيجية الصناعية ستيفان سيجورنيه عن دعمه لبروتون، معتبرًا أن “أي عقوبة لن تُسكت سيادة الشعوب الأوروبية”.
وانضمت إسبانيا إلى موجة الإدانة، إذ وصفت وزارة خارجيتها الإجراءات الأميركية بأنها “غير مقبولة بين الشركاء والحلفاء”، وأعلنت تضامنها مع بروتون وعدد من قادة منظمات المجتمع المدني الذين يعملون على مكافحة التضليل وخطاب الكراهية، مؤكدة أن ضمان “مساحة رقمية آمنة” يمثل ركيزة أساسية للديمقراطية في أوروبا.
وردّ تييري بروتون على العقوبات بتشبيهها بـ“حملة مطاردة الساحرات” التي قادها السيناتور الأميركي السابق جوزيف مكارثي، متسائلًا عما إذا كانت تلك المرحلة “تُبعث من جديد”. وأكد أن قانون الخدمات الرقمية أُقر بأغلبية واسعة في البرلمان الأوروبي وحظي بإجماع الدول الأعضاء السبع والعشرين، مشككًا في محاولات تقويض الجهود الأوروبية للحد من انتشار التضليل.
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد أعلن أن مواطنين بريطانيين وفرنسيين وألمان باتوا مشمولين بحظر التأشيرات، في إطار ما وصفته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإجراءات تستهدف ما تسميه “الرقابة الرقمية”. وشملت العقوبات شخصيات تقود منظمات تُعنى بمكافحة الكراهية والتضليل الرقمي، وسط تحذيرات أميركية متزايدة من تنظيم الاتحاد الأوروبي لمنصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا الكبرى.
ويأتي هذا التصعيد في سياق توتر متنامٍ بين الجانبين الأوروبي والأميركي حول مستقبل تنظيم الفضاء الرقمي، في ظل خلافات عميقة بشأن حدود حرية التعبير، ومسؤولية المنصات الرقمية، وسيادة الدول على تشريعاتها التنظيمية.


