لبنان

مسعى عربي موحد لتجنب الانزلاق نحو الحرب في لبنان

مسعى عربي موحد لتجنب الانزلاق نحو الحرب في لبنان

في لحظة إقليمية دقيقة تتشابك فيها الحسابات الدولية، يعود لبنان إلى واجهة الاهتمام العربي بوصفه ساحة محتملة لانفجار واسع مع تصاعد الخطاب الإسرائيلي الذي يلوّح بخيار الحرب بذريعة «القضاء على سلاح حزب لله». وقد برز حراك عربي متوازٍ تقوده القاهرة وتدعمه تحركات قطرية وسعودية، عكسته اللقاءات السياسية الأخيرة، وفي مقدّمها الاجتماع الذي استضافته الدوحة بين مسؤولين قطريين وسعوديين معنيين بالملف اللبناني. هذا الزخم يطرح سؤالاً مركزياً: هل يملك المسعى العربي الأدوات والقدرة على كبح الانزلاق نحو الحرب مجدّداً؟

لا يمكن فصل هذا الحراك عن إدراك عربي متنامٍ بأن أي حربا جديدة على لبنان لن تكون محصورة جغرافياً ولا زمنياً، بل ستُفاقم هشاشة الإقليم وتُضيف عبئاً اقتصادياً وأمنياً على دول تعاني أصلاً من تداعيات أزمات متراكمة. من هنا، تبدو التحركات العربية محاولة استباقية لتطويق احتمالات التصعيد، عبر مقاربة سياسية - دبلوماسية تُعيد فتح قنوات التواصل وتُعيد التأكيد على أولوية الاستقرار.

الدور المصري في هذا السياق يستند إلى خبرة تاريخية في إدارة الأزمات العربية - الإسرائيلية، وإلى شبكة علاقات تسمح للقاهرة بأن تكون وسيطاً مقبولاً لدى أطراف متعددة. وتركّز المقاربة المصرية على منع الانفجار الكبير، بالتوازي مع الدفع نحو معالجة سياسية أوسع تتصل بالوضع اللبناني الداخلي وحدود الجنوب. وفي موازاة ذلك، جاء الاهتمام القطري والسعودي ليمنح هذا المسعى زخماً إضافياً، ويعكس تقاطعاً نادراً في الرؤية حيال ضرورة حماية لبنان من حرب مدمّرة.

اللقاء القطري - السعودي في الدوحة منذ يومين بين وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي ومستشار وزير الخارجية السعودي للشأن اللبناني الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان، لم يكن تفصيلاً بروتوكولياً، بل رسالة سياسية مفادها أن العواصم العربية المعنية باتت ترى في الاستقرار اللبناني مصلحة مشتركة. فالدوحة، التي راكمت تجربة وساطة ناجحة في لبنان سابقاً، تمتلك قنوات تواصل مع أطراف لبنانية وإقليمية، فيما تنطلق الرياض من مقاربة تسعى إلى دعم الدولة اللبنانية ومنع انزلاقها أكثر نحو حرب جديدة.

في هذا السياق تقول مصادر سياسية مواكبة للمساعي العربية تجاه لبنان أن نجاح المسعى العربي يصطدم بعقبات. أولها أن قرار الحرب والسلم لا يُختزل بالعامل اللبناني الداخلي ولا حتى بالإرادة الإسرائيلية وحدها، بل يتداخل مع حسابات إقليمية ودولية أوسع. إسرائيل، التي تواجه ضغوطاً داخلية وانقسامات سياسية، قد تجد في التصعيد الخارجي وسيلة لإعادة ترتيب أولوياتها، فيما ترى أطراف إقليمية أخرى في الساحة اللبنانية ورقة ضغط ضمن صراعات أكبر. في هذا المشهد المعقّد، يصبح هامش التأثير العربي محدوداً ما لم يُدعّم بتفاهمات دولية موازية.

العقبة الثانية تتصل بالواقع اللبناني نفسه حيث الانقسام السياسي ما زال على حدّته، وأي مسعى عربي يحتاج إلى شريك لبناني قادر على الالتزام بتعهدات سياسية وأمنية، وهو أمر لا يزال موضع تساؤل في ظل هذه الانقسامات. من هنا، يركّز الحراك العربي على ضرورة تحصين الداخل اللبناني، ليس فقط لمنع الحرب، بل أيضاً لإعادة بناء حد أدنى من الثقة بين الدولة ومحيطها العربي.

في المقابل، يملك هذا المسعى نقاط قوة لا يُستهان بها. فالتقاء ثلاث عواصم عربية مؤثرة حول هدف واحد يبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن العرب ليسوا متفرجين على مصير لبنان، كما أن استخدام أدوات الدبلوماسية الهادئة، بعيداً عن الضجيج الإعلامي، قد يفتح نوافذ للتأثير غير المباشر، سواء عبر الضغط السياسي أو عبر تقديم حوافز اقتصادية مشروطة بالاستقرار.

يبقى السؤال الجوهري في اعتقاد هذه المصادر هو هل يكفي ذلك لإبعاد شبح الحرب؟ والجواب في رأيها هو أن المسعى العربي قادر على خفض احتمالات الحرب، لكنه لا يملك وحده ضمانات قاطعة لمنعه. هو أشبه بمحاولة كسب وقت ثمين، وإعادة إدخال منطق السياسة إلى ساحة كادت تُختزل بالمنطق العسكري، ونجاحه النهائي مرهون بمدى تجاوب الأطراف المعنية، وبقدرة العرب على تحويل هذا الزخم إلى مبادرة متكاملة تشمل الدعم السياسي والاقتصادي للبنان، بالتوازي مع انخراط دولي مسؤول.

انطلاقا مما تقدّم فان لبنان يقف عند مفترق طرق حاسم. إما أن تنجح الدبلوماسية العربية في تثبيت هدنة طويلة الأمد تفتح الباب أمام تسويات أوسع، وإما أن يتقدّم منطق الحرب على حساب التهدئة، بما يحمله ذلك من كلفة باهظة. وبين هذين الخيارين، يظل المسعى العربي اختباراً جدّياً لقدرة العرب على حماية إحدى ساحاتهم الأكثر هشاشة، وعلى إثبات أن العمل المشترك لا يزال قادراً، ولو جزئياً، على تغيير مسار الأحداث.

يقرأون الآن