رئاسة الجمهوريّة: إخفاق في صناعتها لبنانيًا بالإنقسام السياسي حولها

ما زالت الدول المعنية بلبنان مباشرة او عن بُعد في مرحلة الانتظار في ما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، اذ أن هذه الدول لا سيما الخمس منها، وهي أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، تقاربها من زاوية مصالحها، وهذا ما تنظر إليه دول اخرى لها حلفاء في لبنان كايران وسوريا، فإنهما ينظران إلى الوضع اللبناني بما يتوافق مع عدم الغدر بالمقاومة، والحفاظ على قوة الردع التي شكلتها بوجه العدو الإسرائيلي، وساهم سلاحها بتحرير الارض اللبنانية من الإحتلال الاسرائيلي في 25 أيار 2000، أو في الصمود بوجه العدوان الصهيوني صيف 2006، ثم في منع تمدد الجماعات الإرهابية الى الداخل اللبناني، وطردها في عرسال ومناطق اخرى.

فهذه المقاربات هي التي تفرض نفسها على الإستحقاق الرئاسي، اذ ثمة مواصفات وضعت للمرشح له، من أطراف لبنانية وأخرى إقليمية ودولية، مما يؤخر حصول انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يعوّل على اجرائه في وقت سريع لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، والتوجه نحو تنفيذ اصلاحات من قبل حكومة لها خطتها للتعافي، وتلتزم بمطالب او شروط صندوق النقد الدولي.

ولبننة الاستحقاق الرئاسي، مطلب تطلبه "الكتل النيابية"، ويعمل بعضها ليكون صناعة لبنانية، كما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولا يختلف معه حتى خصومه السياسيين، لكن الآلية السياسية لم يتم الإتفاق عليها، لتترجم دستوريًا في مجلس النواب الذي اجتمع 11 جلسة ولم ينتخب رئيسًا، بل ما زال في الدورة الاولى لكل جلسة، ولا يؤمن النصاب في الجلسة نفسها، اذ ينفرط عقده ويغادر نواب القاعة، حيث ارجأ الرئيس نبيه بري الدعوة للجلسة 12 الى اجل غير مسمى، حتى التوافق على إسم مرشح بعد حوار داخلي، وهو ما زال على هذا الموقف، برغم من تسميته لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وتأييد حزب الله، حيث التنافس بين مرشحين معلنين هما فرنجية المسمى من الثنائي "أمل" وحزب الله وحلفاء لهما، والنائب ميشال معوض الذي يؤيده كل من حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية" ونواب، بعد أن انسحب "اللقاء الديموقراطي" برئاسة تيمور جنبلاط نحو مرشح ثالث، يسمونه وسطيًا، وتمت تسمية كل من جهاد ازعور وصلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزاف عون، حيث ترى مصادر نيابية، أن التشتت في الأصوات، لا يمكن أن يؤمن لأي مرشح الفوز، لا في ثلثي أعضاء مجلس النواب الـ 86، ولا في النصف زائدًا واحدًا في الدورة الثانية، مع تأمين النصاب القانوني.

لذلك، فإنّ رئاسة الجمهورية مؤجلة إلى موعد ليس بالقريب، إذ ان المرشحين ، لا سيما الفعليين منهم، لم يجتازوا بعد مرحلة الأصوات التي تؤمن لهم الفوز على مستوى اقتناع الكتل النيابية بهذا المرشح أو ذاك، إذ ان الخلاف عميق على المستوى السياسي بين القوى السياسية اللبنانية، اذ يجاهر فريق بنزع سلاح حزب الله وانهاء "وجود دويلته" لصالح الدولة التي تملك قرار الحرب والسلم، وعودة لبنان الى "العروبة" واخراجه من "المحور الايراني"، في حين ان حزب الله وحلفاءه، لا يوافقون على هذا الطرح، ويعتبرونه يصب في خانة تصفية المقاومة ونزع سلاحها وكشف لبنان امام العدو الصهيوني، وهدر سنوات من المواجهة والقتال وسقوط الشهداء والجرحى وحصول دمار، لصالح ان ينعم الكيان الصهيوني بالامن، وهو يهتز من الداخل، وقد يسقط في اي زمن قريب لا بعيد، حيث تشير مصادر في خط المقاومة، بان لا تنازلات عن الثوابت، فالانتصار في الميدان لا يمكن ان يتحول هزيمة في السياسة، وهذا امر لا تراجع عنه.

فامام تخندق كل طرف امام شروطه، فان حصول تسوية تقرّب بينهما، لم تر النور بعد، ويسعى رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" الى ذلك، وقدم اسماء مرشحين، لكنه لم يلق تقاطعاً عليها من "الثنائي الشيعي" اولاً، كما من اطراف مسيحية، حتى ان لائحة مرشحي بكركي، التي يحملها موفد البطريرك الراعي المطران انطوان بو نجم، لم تلق قبولاً لها من بعض القوى السياسية المسيحية، التي جرى تسويقها معها، حيث يحاول البطريرك الماروني ان يستفيد من "الخلوة او الرياضة الروحية" التي دعا اليها في 5 نيسان، في بيت عنيا بحريصا، ليخرج منها بتوافق على اسم مرشح، لا يبدو ان "النواب المسيحيين" المدعوين لها سيتجاوبون مع ذلك، وقد لا يصل المجتمعون الى توافق، لا سيما وان نوابا ينتمون الى المذاهب المسيحية اعلنوا عدم تلبيتهم، اذ ينقل زوار الصرح البطريركي، بان الراعييأمل من خلال هذه الدعوة، ان يستجيب النواب لصوت الله وهم يضرعون امامه، بان يرأفوا بوطنهم ويخلصوا اللبنانيين من عذاباتهم بالجوع والفقر والعوز، وعدم تلقي العلاج في المستشفيات والحصول على الدواء الخ...

إنّ رئاسة الجمهورية متوقفة على صحوة ضمير من النواب، وهذا ما يأمله البطريرك الراعي، وان يجسدوا ذلك، والا "على من تقرأ مزاميركَ يا داوود". 

الديار

يقرأون الآن