تسلّم لبنان 1.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، عام 2021، كبدل حقوق السحب الخاصّة. أنفق منها حوالي 747 مليون دولار، ولم يتبقّ منها سوى 392 مليون دولار. فما هي هذه الأموال؟ ولماذا حصل عليها لبنان؟ وكيف تمّ صرفها؟
تبلّغ وزير المالية د. يوسف الخليل من مصرف لبنان أن مستحقات لبنان من صندوق النقد الدولي (SDRs) قد حُوّلت إلى حساب وزارة المالية لدى المصرف بقيمة 1,139,951,437 دولار أميركي.
— وزارة المالية اللبنانية (@MOFLebanon) September 17, 2021
ماذا يعني مصطلح SDR؟
حق السحب الخاص أو Special Drawing Rights، هو أصل إحتياطي دولي، مدر للفائدة أنشأه صندوق النقد الدولي في عام 1969 كعنصر مكمل للأصول الإحتياطية الأخرى للبلدان الأعضاء.
وترتكز قيمة حق السحب الخاص على سلة عملات دولية، تتألف من الدولار الأميركي والين الياباني واليورو والجنيه الإسترليني واليوان الصيني. وحق السحب الخاص ليس عملة ولا مطالبة على الصندوق، لكنه مطالبة محتملة على عملات البلدان الأعضاء القابلة للإستخدام الحر.
Check out our quick rundown on the SDR and read more details ➡️ https://t.co/xzI6agNaif pic.twitter.com/2HquJ8k1WW
— IMF (@IMFNews) July 7, 2021
كيف حصل لبنان على هذه الأموال؟
أعلنت وزارة المالية اللبنانية في بيان رسمي يوم 16 أيلول/ سبتمبر 2021، أنها تلقت حصتها من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، وبلغت 1.139 مليار دولار، وأودعتها في حساب لدى مصرف لبنان.
جاء ذلك، بعد قرار من رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، وتحديدًا خلال جائحة كورونا، أن دولاً تحتاج إلى مصادر للتمويل، إذ أعطت لكل دولة حصتها بحسب حجم عضويتها ومساهمتها في صندوق النقد الدولي. وتجدر الإشارة إلى، أن هذه الدول تدفع إشتراكات سنوية لصندوق النقد الدولي.
كيف تستخدم حقوق السحب الخاصة؟
وفي حديث لـ "وردنا"، لفت الخبير الإقتصادي خالد أبو شقرا، إلى أنه يحق لوزارة المالية إستخدام حقوق السحب الخاصة بالطريقة التي تراها مناسبة، مشيرًا إلى أنه قد برزت العديد من الأصوات لوضع قانون في مجلس النواب يقيد إستخدام حقوق السحب الخاصة، أو تخصيصها لإستعمالات محددة خشية هدرها كما يحصل كالعادة، إلاَ أنه لم يطبق شيئ من هذه القوانين.
إستخدمت الحكومة اللبنانية حقوق السحب الخاصة، لأول مرة، قبل الإنتخابات النيابية 2022، وقد إستعمل آنذاك 60 مليون دولار بين كهرباء، صيانة وشراء فيول، وإستخدام 35 مليون دولار شهريًا لمدة 3 أشهر فقط لشراء أدوية الأمراض السرطانية والأمراض المستعصية، بالإضافة إلى تسديد قروض لجهات ومستحقات دولية وغيرها..
كيف تعمل سوق حقوق السحب الخاصة؟
يعمل حق السحب الخاص كوحدة حساب في صندوق النقد الدولي، وكان الغرض الأساسي من إنشائه المساعدة في التعامل مع تقلبات أسعار الصرف.
ولأكثر من ثلاثة عقود، ظلت سوق حقوق السحب الخاصة تعمل على أساس طوعي خالص، فقد وافقت عدة بلدان أعضاء وحائز معتمد واحد، على البقاء في حالة تأهب لبيع وشراء حقوق السحب الخاصة على أساس طوعي.
ويُسَهّل الصندوق المعاملات بين البلدان الأعضاء، الراغبة في بيع أو شراء حقوق السحب الخاصة والأطراف المقابلة في الإتفاقات الطوعية التي تصنع سوق حقوق السحب الخاصة فعليًا. ووفقا لإرشادات الصندوق، يمكن أيضًا للبلدان المشاركة في إدارة حقوق السحب الخاصة، أن تدخل في معاملات ثنائية فيما بينها أو مع حائزين معتمدين.
وفي حالة عدم وجود مشترين لحقوق السحب الخاصة على أساس طوعي، يمكن للصندوق تكليف بلدان أعضاء تتمتع بموازين مدفوعات قوية بتقديم إحدى العملات القابلة للإستخدام الحر، نظير الحصول على وحدات من حقوق السحب الخاصة.
ما هي شروط الإستفادة من حقوق السحب الخاصة؟
يعد حق الدولة العضو في الصندوق، والمشتركة في حقوق السحب الخاصة، في الحصول على عملات قابلة للتحويل، مقابل حصتها من الحقوق، حقاً غير مشروط، ويستطيع هذا العضو أن يستعمل ما يقتنيه من حقوق السحب الخاصة، بحسب حاجته، من أجل تصحيح ميزان المدفوعات، أو من أجل تعزيز موجوداته الإحتياطية، ويتم ذلك بأن ينزل عنها لغيره من الأعضاء، مقابل حصوله على عملات قابلة للتحويل.
وهذا يعني أن حقوق السحب الخاصة هي موجودات أو أصول قابلة للتداول من دون شروط، ولكن بالعملات القابلة للتحويل، ولذلك فإن جميع البلدان الأعضاء في الصندوق والمشتركة بحقوق السحب الخاصة، أصبحت تضم موجوداتها، من الحقوق إلى حساب الإحتياطي الرسمي لديها، ويترتب على إستعمال هذه الحقوق للحصول على العملات القابلة للتحويل دفع عمولة للصندوق.
أما البلد الذي تلقى أو حصل على حقوق السحب الخاصة، مقابل تقديم عملته المحلية، أو أي عملة قابلة للتحويل، فإنه يحصل على فائدة من الصندوق، تعادل العمولة التي يتقاضاها الصندوق. ويتحدد معدل العمولة أو الفائدة في الأجل القصير السائد في الأسواق النقدية في الدول الخمس التي تؤلف عملاتها السلة التي تحدد قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة.
كيف تحدد حقوق السحب الخاصة بكل بلد؟
توزَّع مخصصات حقوق السحب الخاصة على البلدان الأعضاء بالتناسب مع حجم حصة عضويتها في الصندوق، فنسبة 42,2% تتوافق مع حصة إقتصادات الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية، ومنها 3,2% للبلدان منخفضة الدخل.
ومن خلال المساعدة في تحقيق الإستقرار لبلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، يمكن أن يساعد توزيع مخصصات من حقوق السحب الخاصة على تخفيف مخاطر الهشاشة الإقتصادية والإجتماعية، والحد من إنتقال التداعيات، وتعزيز إستقرار النظام النقدي الدولي، ودعم التوصل إلى تعافٍ عالمي صلب ومستدام.
ما سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة وكيف يتحدد؟
يتحدد سعر الفائدة على حقوق السحب الخاصة يوم الجمعة من كل أسبوع، إستنادًا إلى متوسط مرجَّح لأسعار الفائدة الممثِّلة على الدين بأجَل ثلاثة أشهر في أسواق المال، التي تُتداوَل فيها العملات الخمس المكوِّنة لسلة حقوق السحب الخاصة (وهي الدولار الأميركي والين الياباني، واليورو، والجنيه الإسترليني، واليوان الصيني).
كيف قُسِّمَت مخصصات حقوق السحب الخاصة على البلدان الأعضاء في سياق التوزيع العام؟
تعتمد التوزيعات العامة على حصة عضوية كل بلد وقت إجرائها. وبالتالي، كان التوزيع العام في 2009 والذي بلغت قيمته 250 مليار دولار أميركي معادلا لنحو 74,13% من حصة المشاركين المؤهلين.
وكانت مخصصات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية كمجموعة قرابة 100 مليار دولار، بما في ذلك 18 مليار دولار للبلدان منخفضة الدخل.
وبلغت حصة الشرق الأوسط من مخصصات عام 2021 ما يعادل 47 مليار دولار. وعلى الرغم من أن المبالغ الموزعة للدول المحتاجة مثل لبنان (865 مليون دولار)، كانت أقل بكثير من تلك التي مُنحت للدول الغنية على غرار الولايات المتحدة (35 مليار دولار)، إلا أن المخصصات لا تزال توفّر للمنطقة سيولة كبيرة في الأوقات الصعبة.
كم أنفقت الحكومة من حقوق السحب الخاصة؟
كشفت أرقام وزارة المالية حول إنفاق هذه الأموال، وحتى تاريخ 27-1-2023، الآتي:
حوالي 121 مليون دولار لإستيراد القمح
حوالي 109 ملايين دولار لدفع مستحقّات القروض
حوالي 223 مليون دولار للكهرباء
حوالي 13 مليون دولار لدفع مستلزمات جوازات السفر
حوالي 243 مليون دولار لإستيراد الدواء
حوالي 683 ألف دولار لرسوم قانونية مستحَقّة لوزارة العدل
حوالي 34 مليون دولار لرسوم حقوق السحب الخاصّة.
ويكون بذلك مجموع هذه الإنفاقات حوالي 747 مليون دولار، أي أنّ ما تبقّى من أموال حقوق السحب الخاصّة للبنان يساوي حوالي 392 مليون دولار فقط.
ويرى الخبير الإقتصادي الدكتور أحمد جابر، وفي حديثه لـ"وردنا"، أن الأموال التي خصصت للبنان لم يتم إستخدامها كما يجب، وبأن السلطة الحاكمة قد هدرت حقوق السحب الخاصة بها، مشيرًا إلى أن اللبنانيين لم يستفيدوا من هذه الأموال، ومؤكدًا على ضرورة إعادة البحث حول الطريقة التي أنفقت بها هذه الحقوق.
تمويل الإنتخابات البلدية
كثر الحديث مؤخّراً حول إمكانية إستخدام ما تبقى من أموال حقوق السحب الخاصة بلبنان، لتمويل كلفة إجراء الإنتخابات البلدية، والتي تبلغ قيمتها 9 ملايين دولار.
وفي هذا السياق، رأى أبو شقرا أنه في حين تم صرف أكثر من 600 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة، فلا ضير أيضًا، من أن يخصص مبلغ من المال لتجديد الإنتخابات"، لافتًا إلى أن دعم الإنتخابات اليوم يعد حاجة تنموية للمناطق.
وبعد التمديد للمجالس البلدية والإختيارية، يُنظر الى كيفية صرف ما تبقى من أموال SDR في ظل الشح المالي الذي تعاني منه الخزينة، والتزاحم على الأولويات، إذ بات كل قطاع يشكل أولوية، من التربية ودعم المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية وإنقاذ مستقبل الطلاب والبلاد، الى الكهرباء الى وزارة الصحة وتأمين علاجات الأمراض المستعصية.