مقالات السودان آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

خاص - السودان.. قصص حزينة لا تنتهي

يزدحم السودان بحكايات الفقدان المتصاعدة منذ 39 يوما، ومعه لا تنفع هدنة أو استراحة قسرية لدى عائلات تلملم خسائر مفقوديها وضحاياها بالجملة. لقد كانت الحياة قبل ذلك ممكنة، وإن ليست في أحسن حال، قبل إطلاق الرصاصة الأولى، وأول مدفع وغارة وهجوم. ثم جاءت أيام، كانت كفيلة في ساعات بمحو معالم أحياء وأسواق ونمط حياة، ليصبح الحال على ما هو عليه في مانشيتات الصحف والقنوات الإعلامية: موت بالمجان لطبيبة كانت عائدة من مقر عملها، طالب دفنه رفاقه في حديقة أمكن الوصول إليها، أم داهمتها رصاصة من شرفة المطبخ بينما كانت تعد الطعام لصغارها، وعائلة لم يبق منها سوى حفيد أو صورة للذكرى. وفي استعادة ذكراهم، أي هدنة تنفع في تسكين الذكريات؟

خاص - السودان.. قصص حزينة لا تنتهي

يحكي المهندس السوداني الذي يعمل في سلطنة عمان خالد عثمان كيف أنه خسر والدته الطبيبة بعد دقيقتين من إصابتها. كانا يتحادثان على الهاتف حين سمع رشقا من الرصاص ودوي قذائف، فطلب منها الابتعاد عن النوافذ، فطمأنته الى أنها وإخوته يحتميان في فناء الدار، قبل أن يبلغه صراخها: "دماء على رقبتي"، وعلى الرغم من محاولات الزوج، وهو طبيب، تقديم الاسعافات الأولية بما تيسر داخل المنزل إلا أنها فارقت الحياة ولم تتمكن العائلة من دفنها إلا بعد ساعات على وقع القذائف وتحت تهديد القنص.

يعلق خالد: "أشعر بضيق في التنفس وكأن بلاطة جاثمة على صدري. ما أصعب أن تدفن فردا من العائلة من دون وداع. وكل الخوف أن يحمل اتصال آخر خبرا عن خسارة جديدة لقريب"، علما أن عائلة خالد تمكنت من الانتقال الى مدينة بعيدة عن الاقتتال الحاصل في الخرطوم.

وعن طرفي الصراع يقول: "لست متحزبا ولا يعنيني سوى بلدي. أما من دمر السودان، وقتل أمي والشباب وشرد العائلات، فهؤلاء ليسوا منا".

أطفال الحرب

يحكي عبد القادر النعيم، الزوج السوداني المفجوع بتشتت عائلته، أن شظية اخترقت جدران المنزل لتستقر في جسد زوجته، وهي أم لخمسة أطفال. وعلى الرغم من مخاطر التنقل في الشوارع حيث تدور الاشتباكات، قصد عبدالقادر نحو 8 مستشفيات، إلا أنه لم يوفق بأي مركز طبي لإنقاذ زوجته التي نزفت لمدة ثماني ساعات. وكانت الذريعة نقصان المستلزمات والأدوات الطبية.

ولأنها أوصته بأطفالهما، خشي تكرار الأمر وموت أحد أولاده بين يديه كما حصل مع زوجته. استأجر سيارة وانتقل الى مركز للإيواء بانتظار الحصول على أوراق رسمية تخوله الدخول الى مصر. وبسبب الازدحام الحدودي وكثرة عدد المتقدمين بطلبات للنزوح الى مصر، لا يزال والد الأطفال عالقا في ظروف صعبة حيث تفتقد مراكز الايواء لمستلزمات عائلة فقدت الأم وعلى الأب أن يغني كل مساء لطفله ابن السنة حتى ينام، على الرمال، من دون أن تزوره كوابيس ذلك اليوم الذي رأى فيه دماء والدته على أرض المنزل، وكانت تنازع وتبتسم لصغيرها.

من السودان.. الى مصر

ولأن الأحزان لا تأتي فرادى، حمل خبر وفاة الطبيبة رفيدا عبد العال في السودان المأساة لعائلتها في مصر. وما أن وصل جثمان الشابة الى سوهاج، والتي كانت تتابع دراستها في كلية العلاج الطبيعي في السودان، حتى أصيبت الوالدة أفنان خلف بهبوط في الدورة الدموية.

ولم تفلح أجهزة الانعاش في انقاذ حياة الوالدة، لتسجى الأم والابنة في مقبرة واحدة.

بروتوكول اتلاف المستندات

وجاءت الضربة القاسمة التي تلقاها الشباب السوداني في الحرب الأخيرة، لتنهي حلم السفر ومتابعة التعلم والعمل خارج البلاد، بعدما أقدمت السفارات الأجنبية والبعثات على إتلاف الوثائق السرية والملفات الحساسة قبل المغادرة ومن ضمنها جوازات سفر بعض السودانيين الذين كانوا قد تقدموا بطلبات للحصول على تأشيرة، وبذلك بات المئات من الشباب السوداني بلا وثائق تخولهم الخروج من بلادهم بطريقة شرعية.

تنقل صحيفة "نيويورك تايمز" المعاناة الناجمة عن بروتوكول اتلاف الوثائق، مشيرة الى تجربة المهندسة الشابة سلمى علي، والتي قدمت جواز سفرها إلى السفارة الأميركية قبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب. تحكي للصحيفة بأسى: "يمكنني سماع هدير الطائرات الحربية وأصوات القصف العنيف من نافذتي.. وأنا حاليا محاصرة هنا بلا وسيلة للخروج".

وكانت سلمى، البالغة من العمر 39 عاما، تأمل في السفر إلى شيكاغو، هذا الشهر، لحضور دورة تدريبية، ومن هناك تشد رحالها إلى فيينا لتباشر عملها الجديد مع إحدى منظمات الأمم المتحدة.

مفقودون

قبل ثلاثة أيام وجه الشاب السوداني محمد حسن نداء من خلال "فيسبوك"، يطلب فيه مساعدة للبحث عن شقيقته التي أرفق صورتها. كتب: "خرجت اختي اليوم بتاريخ 19 أيار/مايو، وعمرها 20 سنه، الى الدكان قبل صلاة الجمعه. كانت ترتدي عباءة سوداء وطرحة سوداء. المكان 29 امبده غربي سوق ليبيا. نسال الله أن يجمعنا بها وأن يحرسها لكل من يتعرف عليها أو يتحصل عليها الإتصال بنا..".

وكانت أحصت مبادرة "مفقود" السودانية، نحو 229 مفقودًا منذ اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع، بينهم أجانب.

وبثت أسر عديدة من خلال هذه المبادرة نداءات للمساعدة نتيجة فقدان أحد أفراد الأسرة ممن يتطوعون للبحث عن الاحتياجات الضرورية، في وقت توقف عمل الشرطة تمامًا منذ انفجار أوضاع السودان في 15 نيسان/أبريل المنصرم.

ووفق المتطوعة في اللجنة التنسيقية لمبادرة "مفقود" سارة حمدان، فإنّ الإحصائية قابلة للزيادة والنقصان، نظرًا لشح المعلومات ورداء الاتصال الصوتي وضعف خدمات الإنترنت وصعوبة التبليغ والحركة للبحث عن المفقودين، بجانب توسع رقعة الاشتباكات.

آخر صورة

في الحروب لا يبقى من الأصدقاء إلا الصور. هكذا يوجز شاب سوداني الحال السوداني المرعب، معلقا: "إنها أكثر من حرب أهلية".

ومن خلال منصة "تويتر"، اختار أن يحتفظ بذكرى لعائلة صديقه الذي فارق الحياة. ودعه بتغريدة: "صوره لعائلة صديقي مقنع مسمل المصاموري آل طبريزي. لقد كانت لديه عائله جميله. كلهم ماتوا في حرب السودان وما بقي إلا حفيد واحد".

يقرأون الآن