أبلغت ألمانيا لبنان شفهيا بصدور مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) رياض سلامة الذي يخضع للتحقيق في اتهامات بغسل أموال واختلاس في بلده وفي الخارج لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفات.
وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع واحد من إصدار فرنسا لمذكرة توقيف بحق سلامة البالغ من العمر 72 عاما وبعد أيام فقط من إصدار منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) نشرة حمراء بإدراجه على قائمة المطلوبين. وهناك معلومات عن قرار فرنسي مطلع تموز/يوليو بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان.
وفيما يلي استعراض لما يتعين معرفته عن القضايا:
* تحقيقات أوروبية
بدأت التحقيقات بتدقيق سويسري حول ما إذا كان سلامة وشقيقه رجا اختلسا أكثر من 300 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2015.
ومنذ ذلك الحين، بدأت دول أوروبية منها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين تحقيقاتها الخاصة فيما إذا كانت عشرات الملايين من الدولارات من الأموال التي يشتبه في اختلاسها من مصرف لبنان قد جرى غسلها في أوروبا.
وفي آذار/مارس 2022، أعلنت وكالة التعاون في مجال العدالة الجنائية التابعة للاتحاد الأوروبي تجميد نحو 120 مليون يورو (130 مليون دولار) من الأصول اللبنانية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا فيما يتصل بقضية قال ممثلو الادعاء في ميونيخ إن سلامة مشتبه بتورطه فيها.
وتوجه محققون أوروبيون إلى لبنان ثلاث مرات: الأولى في كانون الثاني/يناير لاستجواب شهود والحصول على أدلة إضافية. والثانية في آذار/مارس لاستجواب سلامة. والثالثة في أيار/مايو لاستجواب شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك.
وأصدرت فرنسا مذكرة توقيف في 16 أيار/ مايو بعد تغيب سلامة عن جلسة استماع في باريس. وقال إنه سيطعن على المذكرة. وأصدر الإنتربول النشرة الحمراء الخاصة بسلامة في الأسبوع نفسه.
كما استدعت فرنسا رجا وماريان الحويك لحضور جلستي استماع في 31 أيار/مايو و 13 حزيران/يونيو على الترتيب.
* تعثر التحقيق اللبناني
وأعلنت السلطات اللبنانية أنها فتحت تحقيقها الخاص بعد تلقيها طلب تعاون قضائي سويسري.
ويشكك منتقدون فيما إذا كان القضاء اللبناني، والذي تعتمد التعيينات فيه إلى حد كبير على الدعم السياسي، سيحقق بجدية في اتهامات مرتبطة بشخصية تحظى بمثل مكانة سلامة، وذلك بالنظر إلى الدعم السياسي الذي يتمتع به من مسؤولين كبار.
ولا ينكر القضاء وجود صعوبات. وقال أعلى قاض بلبنان في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 في تعليق عام إن التدخل السياسي في العمل القضائي أدى إلى وضع فوضوي يتطلب "ثورة في المقاربات" لحله.
وبحسب تقارير، واجه جان طنوس القاضي المعين لقيادة التحقيق الأولي عقبات بينها تدخل من جانب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لمنعه من الوصول لبيانات من البنوك. ونفى ميقاتي تلك التقارير.
وذكرت "رويترز" أن المدعي العام التمييزي غسان عويدات منع طنوس من حضور اجتماع في باريس العام الماضي مع مدعين أوروبيين يحققون مع سلامة.
وفي حزيران/يونيو 2022، أمر عويدات مدعيا بتوجيه اتهام رسمي إلى سلامة لكن المدعي رفض وسعى إلى التنحي عن القضية قبل أن تمنعه طعون قانونية من الحاكم.
وفي شباط/فبراير اتُهم سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك بغسل أموال واختلاس وإثراء غير مشروع في تلك القضية.
وأدى تحقيق منفصل أجرته المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون إلى اتهام سلامة في آذار/مارس 2022 بالإثراء غير المشروع في قضية تتعلق بشراء وتأجير شقق في باريس، بعضها من جانب مصرف لبنان.
وينفي سلامة المزاعم ويقول إن الادعاء له دوافع سياسية.
* سلامة مستمر
وكان سلامة حجر زاوية في النظام المالي الذي خدم المصالح الخاصة للفصائل الرئيسية في لبنان بعد الحرب الأهلية 1975-1990، ويقول عديد من المراقبين إن هذه الفصائل تخشى أن يكون لسقوطه تداعيات عليها.
وتنتهي آخر ولاية لسلامة، ومدتها ست سنوات، في تموز/يوليو . ويرفض التنحي مبكرا ما لم يصدر عليه حكم.
ويُتوقع أن تؤدي الأزمة السياسية، التي تركت لبنان دون رئيس وحكومة بصلاحيات كاملة، إلى تعقيد أي محاولة لاستبداله.
وزير العدل اللبناني
وأشار وزير العدل اللبناني هنري خوري في مقابلة مع قناة "الحدث" الى أنه "سيتم الاستماع الى سلامة غدا ولا علم لي بما يتضمنه الملف". وأكد: "لا يمكن تسليم رياض سلامة لدولة أخرى"، موضحا: "أنا مع إقالة أو استقالة حاكم مصرف لبنان".
ولفت:"مدد الرئيس السابق ميشال عون لرياض سلامة في ظروف تختلف عما هي عليه اليوم".
الخارجية الأميركية
من جهتها، شددّت وزارة الخارجية الأميركية على أنّه "من المهم أن تحترم الحكومة اللبنانية العملية القائمة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي، والتركيز على مهمة تحقيق استقرار الاقتصاد اللبناني وتطبيق الاصلاحات الضرورية". وأن واشنطن تعمل مع الحاكم المعين بصفته الرسمية، ويعود إلى الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار من يتولى هذا المنصب.
ورفض ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية التعليق على مذكرة التوقيف الألمانية، مشيراً الى أن الأمر متروك "لشركائنا الألمان التعامل مع هذا الوضع كما فعلنا مع الفرنسيين".