بعد ساعات قليلة من عودة البطريرك الماروني بشارة الراعي من الفاتيكان وباريس، أعلن عن حراك جديد، وعلى وجه السرعة لإحداث خرقٍ في الملف الرئاسي، إذ لفت في سلسلة مواقف أطلقها أمام وفد نقابة الصحافة، إلى أن "الفاتيكان وفرنسا طلبا منّي أن أعمل داخلياً مع باقي المكونات، وسنتكلّم مع الجميع من دون استثناء حتى مع حزب الله، والحراك سيبدأ من اليوم (الخميس). لمست خلال جولتي ارتياحاً للتوافق المسيحي على اسم مرشّح للرئاسة"، معتبرا أنه "على رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسة قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس، ولكن نحن نتميّز بمخالفة الدستور".
يتابع البطريرك الراعي الملف الرئاسي بدقة، ويتصل مع الجميع، ويحاول إقناع كل الاطراف على فكرة موحّدة ومشتركة تتمحور حول ضرورة الإتفاق على إجراء الإنتخابات الرئاسية
وعلى الفور، ردّ بري بالقول إنه "لا يقفل مجلس النواب، لكنه لن يدعو لجلسة انتخاب قبل ظهور ترشيحين جديين على الأقل"، كما تولّى المفتي الجعفري أحمد قبلان الردّ على الراعي، قائلاً: "نحن شركاء وطن وصنّاع سيادة وحماة دولة وبلد ولسنا عبيداً، ولبنان يُصنَع في لبنان وليس في الطائرة، والسيادة الوطنية على أبواب مجلس النواب وليست في الأوراق المحمولة جواً، وتاريخ لبنان شاهد".
على أي حال، لا بد أن مواقف البطريرك، جاءت نتيجة دعم فرنسي وفاتيكاني لمساعيه في الملف الرئاسي، إن كان من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو من أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، إذ أشارت المعلومات الى أن الفاتيكان تدخّل لدى الجانب الفرنسي، ولعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين الراعي وماكرون، وتحديداً في الاستحقاق الرئاسي، وبدا ماكرون متعاوناً، ومتفهّماً لهواجس البطريرك، ولوجهة نظره في الاستحقاق الرئاسي وللوضع اللبناني عموماً. هذه الأجواء الايجابية، أكدها بيان الإليزيه الذي أشار الى أن الرئيس الفرنسي أعرب عن دعمه للجهود التي يبذلها رأس الكنيسة المارونية لاخراج لبنان من "المأزق السياسي"، مطالباً كلّ القوى في البلد الغارق في الأزمات بانتخاب رئيس للجمهورية "بدون تأخير".
تزامن ذلك مع إرتفاع منسوب الايجابية على ضفة التوافق الرئاسي المستجد بين المعارضة و"التيار الوطني الحر"، إذ يقترب ممثلو الكتل المعنية، وبعض نواب التغيير والمستقلين من إعلان ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور بحيث أن الأمور بدأت بالنضوج، ولن تتطلب الكثير من الوقت وفق ما أكد أحد نواب المعارضة لموقع "وردنا"، إذ "أنهينا عملية الالتقاء على اسم وسطي، وسيكون الاعلان الرسمي خلال اليومين المقبلين. نحن في اجتماعات مستمرة للوصول الى القرار النهائي حول بعض التفاصيل المتعلقة بالآلية والمكان والزمان". وفي هذا السياق، عقد ممثلون عن كتل "الجمهورية القوية" و"الكتائب" و"التجدد" وعدد من نواب التغيير، اجتماعاً لوضع الآليات المناسبة المؤدية الى بلورة إتفاق رئاسي بينها وبين كتل أخرى تقاطعت معها على اسم مرشح مشترك لرئاسة الجمهورية.
وبعيدا عن "الضجيج الاعلامي والتأويلات والتحليلات"، لا بد من العودة الى المصدر أي الى الكنيسة المارونية، وإلى جهة معنيّة، ومطلعة جدا في بكركي التي تتحدث عن "الثوابت" وعن وقائع الأمور كما هي بلا تحريف ولا تشويه حيث من المؤكد حتى اللحظة، أن التحركات التي سيقوم بها البطريرك غير واضحة، ولم تتبلور في صيغة معينة، إذ يمكن أن يتصل شخصيا بكل المعنيين أو يرسل موفدين من قبله، لكن المهم أنه سيحاول التواصل مع الجميع، ولا شك أن الوضع اللبناني بشكل عام في حاجة الى إعادة النظر، والى رسم برنامج عمل واضح، ومشروع انقاذي للوطن، لكن هذا لن يحصل دفعة واحدة أو بكبسة زر، انما يتطلب أن تكون الدولة في تركيبتها الأساسية موجودة. لذلك، الالحاح الدائم قبل أي شيء آخر على انتخاب رئيس للجمهورية كي تتكون من جديد هيكلية الدولة مع أشخاص قادرين على العمل معا، ويريدون ذلك، ولديهم الامكانات لإنقاذ الوطن. وهذا، يتطلب التوافق الواسع حول شخص الرئيس، ليس لأنه وحده الذي سيعمل، لا بل على العكس لأنه لا يمكنه تحقيق أي اصلاح اذا لم يتعاون معه كل الأفرقاء. إنها "ورشة وطنية مهمة جدا تتطلب تضافر الجميع بإخلاص وصدق ومحبة للوطن، وبإرادة إصلاح حقيقية لإعادة البلد الى السكة الصحيحة، وذلك لمصلحة جميع اللبنانيين وليس لمصلحة فئة معينة".
يتابع المصدر الكنسي المطلع على تفاصيل حراك رأس الكنيسة، أن البطريرك الراعي الملف الرئاسي بدقة، ويتصل مع الجميع، ويحاول إقناع كل الاطراف على فكرة موحّدة ومشتركة تتمحور حول ضرورة الإتفاق على إجراء الإنتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، هذا هو الهدف الأساسي. رأس الكنيسة المارونية، يسعى أبويا من أجل الشعب والبلد على أمل الوصول الى حلّ. ولا شك أن "الرئيس بري، انطلاقا من حسّه الوطني وخبرته الكبيرة، يعلم أن ليس هناك من معطيات كافية لفتح أبواب البرلمان"، وليس واضحا حتى الآن إن كان هناك اتفاقا نهائيا على اسم بين المسيحيين، والأمور قيد التداول، ولم تصل بعد الى مرحلة تطمئن البطريرك أن المسيحيين اتفقوا على اسم رسميا. وفي حال تمّ الإعلان رسميا عن هذا الاسم، "فحينها الرئيس بري ليس في حاجة الى من يدعوه لفتح البرلمان، وعقد جلسة انتخابية اذ هو يقول عندما يصبح لدينا مرشحين، سأدعو الى جلسة".
لا تهم الشكليات، وطريقة التواصل، ومكان اللقاءات، انما المهم إنقاذ البلد المريض
وعلى الرغم من أن البطريرك الراعي عاد من جولته الأوروبية، بنفحة تفاؤل وارتياح وتقدير ودعم لما يقوم به خصوصا في الملف الرئاسي، لكن الدول المعنية بالشأن اللبناني، تعمل في "نهاية المطاف على تأمين مصالحها، والبطريرك ليس طامحا بأي دور. سيلعب على الوتر الديمقراطي لا أكثر ولا أقل. إذ حين يصبح لدينا مرشحين الى الرئاسة، من أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية، التوجه الى المجلس النيابي، وليدلي النواب بأصواتهم، ومن يأخذ العدد الأكبر من الاصوات، يفوز. هذه الديمقراطية التي أطيح فيها منذ فترة".
وما يهم الصرح البطريركي اليوم، التوافق بين المسؤولين، وهنا أساس المشكلة، برأي بكركي. باريس أبدت اهتماماً وارتياحا للأخبار الواردة عن اتفاق القوى المسيحية على مرشح واحد، وهي تنتظر الإعلان النهائي عنه، ليبنى على الشيء مقتضاه. واذا توصّل المسيحيون الى "التوافق على اسم، يكون البطريرك مرتاحا، ويكون مرتاحا أكثر حين يُنتخب الرئيس". ورغم أنه يسعى ويساهم في إنقاذ البلد، فيبقى على المسؤولين، والقوى السياسية أن يتنازلوا لبعضهم، ويلتقون على مصلحة البلد. وهذا "جوهر الاتصالات التي سيجريها البطريرك الماروني"ن بحسب المصدر عينه.
"لا تهم الشكليات، وطريقة التواصل، ومكان اللقاءات، انما المهم إنقاذ البلد المريض"، ويسأل المصدر الكنسي، الى متى الإنتظار ، والبلد انهار؟ وعلى ماذا الإختلاف طالما أن البلد فرغ من أهله؟ وما هي الخلافات الجوهرية التي تمنعهم من انتخاب الرئيس، وتشكيل حكومة، وإعادة بنيان الدولة؟ هل يسألون أنفسهم إن كانت ضمائرهم مرتاحة في ظل كل ما يجري، وفي ظل الشغور القاتل؟ أو انها ماتت، ودفنت تحت سابع أرض؟