لا تزال تتوالى تداعيات تدمير سد كاخوفكا جنوبي أوكرانيا، في المنطقة الخاضعة للسيطرة الروسية، إذ وصل ارتفاع المياه اليوم الجمعة الى أكثر من 6 أمتار، منذرا بغرق المزيد من المدن والقرى، ولاسيما أن التوقعات تشير الى ارتفاع منسوب المياه في الأيام المقبلة الى حدود 12 مترا.
ويحتوي السد على كمية من المياه تضاهي بحيرة "سولت ليك" في ولاية يوتا الأميركية، أي حوالي 18 مليون متر مكعب من المياه، وهو منشأة كهرومائية تبلغ قوتها 350 ميغاوات، مهددا بإحداث فوضى في الزراعة جنوبي أوكرانيا، وإمدادات المياه لشبه جزيرة القرم. أما الغرض من تدميره، سواء أقدم على ذلك الروس أو أوكرانيا، الدخول في لعبة حرب جديدة يدفع ثمنها آلاف المواطنين الذين شردتهم الطوفانات، وفي السابق قتلت أكثر من 30 ألفا من أجدادهم، يوم قرر جوزف ستالين هدم سد دنيبر العظيم، منعا لتقدم الجيوش الألمانية نحو الاتحاد السوفياتي، فحصلت الكارثة الكبرى التي يحفظها التاريخ باعتبارها من أفظع الجرائم. فما قصة سد لينين العظيم؟
سد لينين
يوم سئل لينين، الحاكم الروسي وقائد الثورة البلشفية: ماذا تعني لكم الشيوعية؟ أجاب أنها سلطة الشعب مضافاً إليها الكهرباء، فكانت خطته لإنشاء السدود وإغناء الأراضي الزراعية وإنشاء المحطات الكهرومائية التي عملت على تزويد المدن بالطاقة، ولاحقا تبريد محطة زابورجيا النووية، من خلال سد دنيبر الأكبر في حينه في أوروبا.
وبتاريخ 29 أغسطس/آب 1941، قام الروس بتفجير سد دنيبر في زابورجيا، الذي يغذي محطة دنيبروستروي للطاقة، وأخلوا دنيبروبيتروفسك، المركز الصناعي الكبير في أوكرانيا. ونقل المتحدث باسم الاتحاد السوفياتي لوزوفسكي الخبر للصحافة: "لقد فجرنا سد دنيبر حتى لا نسمح لهذا الطفل الأول (السد) من الخطة الخمسية السوفياتية بالسقوط في أيدي قطاع الطرق التابعين لهتلر". فكانت سياسة "لا شيء لألمانيا".
وجرى تصنيف تدمير سد دنيبر، الذي غذى أقوى محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أوروبا واستغرق استكماله ثماني سنوات، أكثر أعمال التدمير إثارة في روسيا منذ حرق موسكو عام 1812. وعود على بدء، توقف نقل الطاقة الكهربائية على نطاق واسع، وجرى استبدالها مرة أخرى بمولدات بديلة.
الجيش الأحمر
أغرق ذلك الانفجار المتعمد في الأربعينيات، القرى الواقعة على ضفاف نهر دنيبر، مما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين والعسكريين من طرفي الصراع. وبعد الاستيلاء على المنطقة، أعاد الألمان بناء السد جزئيًا. بعد ذلك بعامين، بينما كانت القوات السوفياتية تطردهم من أوكرانيا، فجرت القوات النازية المنطقة للمرة الثانية. وفي نهاية الحرب، أعاد السوفيات بناء السد. وتسببت موجة الفيضانات بمقتل وتشريد ما بين 20 الفاً إلى أكثر من مئة ألف مدني، بالإضافة إلى ضباط الجيش الأحمر الذين كانوا يعبرون النهر. وفي النهاية، تعرض السد لأضرار جسيمة، ودمرت قاعة الكهرباء تقريبا.
كتب الباحث الأميركي "إتش آر نيكربوكر" في ذلك العام: "لقد أثبت الروس الآن من خلال تدميرهم للسد العظيم في دنيبروبتروفسك أنهم يقصدون حقًا حرق الأرض قبل هتلر حتى لو كان ذلك يعني تدمير أغلى ممتلكاتهم ..كانت دنيبروستروى موضوعًا للعبادة تقريبًا للشعب السوفياتي. ويدل تدميرها على إرادة المقاومة التي تفوق كل ما كنا نتخيله. أعرف ما يعنيه هذا السد للبلاشفة .. لقد كان الأكبر والأكثر إثارة والأكثر شعبية من بين جميع المشاريع الضخمة للخطة الخمسية الأولى .. كان سد دنيبر عندما تم بناؤه الأكبر على وجه الأرض ولذلك فقد احتل مكانًا في خيال ومودة الشعب السوفياتي يصعب علينا إدراكه".
إنذار سابق
في جولة سريعة على المقالات المنشورة في الصحف، والتي تناولت أهمية سد كاخوفكا، يتبين أن خطة التفجير حاضرة منذ سنوات. فالإعلام الغربي حذر مرارا من أن مخططا يجري إعداده لهدم السد، الأمر الذي من شأنه تعريض حياة آلاف المدنيين لخطر داهم يشبه كارثة سد دنيبرو، ومع ذلك لم تكلف أي جهة نفسها وضع خطط إغاثة لإنقاذ الأرواح. وهكذا ترك القاطنين لمصائرهم في رحلة الغرق في أتون الحروب. فهل من سدود أخرى قيد الاختراق في مكان ما من العالم المثقوب بهوس السلطة؟