رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أنه "لولا الدعم الذي يقدمه الإنتشار اللبناني لأبناء الوطن، لكان وقع الأزمة التي يمرّ بها لبنان، أشد إيلامًا وخطورة"، مؤكدًا أن "المغتربين هم الرئة التي يتنفس منها لبنان، بفضل خبراتهم المهنية التنافسية، والكفاءة والريادة المُعترَف بهما لهم حتى من قبل أشدّ المنافسين. وكذلك، بفعل شبكة العلاقات الواسعة التي يتمتعون بها، وقدرة الربط والضغط والتأثير في مراكز القرار، خاصة الإقتصادية والمالية والصناعية والتكنولوجية، في دول الإنتشار".
وخلال كلمته في مؤتمر الإقتصاد الإغترابي الثالث، الذي ينعقد على وقع أزمة الشغور الرئاسي المستمر منذ أشهر من دون ظهور بوادر حلّ، أشار ميقاتي إلى أنه "بعدما تمترست الأطراف الداخلية المعنية خلف مواقف لا تقبل التراجع عنها، وبعدما دخلت الوساطات الخارجية أيضًا في دائرة المراوحة حتى اشعار آخر، تستمر الحكومة في تسيير شؤون الدولة والمرافق العامة وخدمة المواطنين، والسعي قدر الإمكانات المتاحة الى تلبية المطالب المحقة وفق الصلاحيات الدستورية التي تلزمها بالإجتماع وتصريف الأعمال".
ولفت ميقاتي إلى أن الحكومة "تكاد تكون المؤسسة الدستورية شبه الوحيدة التي لا تزال تؤمّن استمرارية الدولة ومؤسساتها، بعدما تسلل التعطيل الممنهج الى سائر المؤسسات، بفعل الحسابات والتعقيدات السياسية التي تتحكم بعملها"، وقال: "لم ولن تتقاعس حكومتنا عن القيام بعملها، وعن المثابرة على التخفيف قدر المستطاع من حدّة الأزمات المتراكمة منذ سنوات طويلة، ولا نزال نعمل رغم الامكانات القليلة المتاحة على التخفيف من وطأة هذه الأزمات".
وأضاف: "ما فعلناه حتى الآن، لا يلبي طموحنا وطبعًا لا يلبي طموح مطالب اللبنانيين حتمًا، ولكن الواقع يجعلنا نعتمد منهجية الحل الممنهج على مراحل، بدءًا بتخفيف حدّة أزمات الكهرباء والبنزين والدواء، وإزالة مشهد الطوابير التي أتعبت اللبنانيين، وصولًا إلى ما نشهده من حركة في البلد، لم تكن لتتحقق لولا الإستقرار الأمني وإعادة الحيوية أيضًا إلى بعض القطاعات الإقتصادية التي نشهدها حاليًا".
ورأى أن استمرار الحكومة في مهامها، "لا يتوافق مع طموحات الأطراف الساعية إلى تعميم الفراغ، إما بحجة إعادة بناء المؤسسات وفق توازنات تشكل انقلابًا على الدستور وروحيته، وإما للضغط في اتجاه تحقيق مكاسب فئوية أو نجاحات شعبية مزعومة".
وشدّد على أن "الحكومة، ليست مسؤولة عن الفراغ الرئاسي وعن الحروب السياسية المتجددة بين المكونات السياسية، وليست هي من يمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية".
وفي هذا السياق، أكد ميقاتي أن "الفريق الذي يتمترس خلف حفاظ مزعوم على صلاحيات رئيس الجمهورية، هو نفسه من مارس التعطيل لسنوات ويتمادى في رفع التهمة المثبتة عليه بإلصاقها بالآخرين، وبالسعي المستمر لتعطيل عمل الحكومة والتصويب على قراراتها. في المقابل، ثمة من تستهويه وضعية المعارضة، فيصوب على عمل الحكومة لكسب شعبية مزعومة، وكأن البلد يتحمل مزيدًا من الجدل والسجالات العقيمة".
وقال: "لقد تعاليت كثيرًا على الإفتراءات والإتهامات التي طالت الحكومة وطالتني شخصيًا، لقناعتي بصوابية العمل الذي نقوم به لمصلحة البلد. واذا كان البعض اعتبر هذا الموقف ضعفًا أو تشبثًا بالمنصب، فهو مخطئ جدًا، ومخطئ أكثر من يعتقد أن بإمكانه ممارسة الوصاية على عمل الحكومة، فيحدد مسبقًا ما يجب القيام به وما هي المحظورات والممنوعات، وفق ما يتم تسريبه مباشرة او بالواسطة".
وأضاف: "نحن في الحكومة، نراعي الواقع الموجود في البلد، ودقة الموقف وخطورته، ونتفهم أن الناس ملّت السجالات والحملات، ولكننا لن نقبل بوصاية أو بهيمنة علينا. فالدستور واضح نصًا وروحًا، ونحن نلتزم بأحكامه ولا نبرمج عملنا وفق أهواء البعض ورغباته".
وتوجه ميقاتي إلى المعترضين، قائلًا: "إنتخبوا رئيسًا جديدًا بأسرع وقت، فتنتفي كل الإشكالات المفتعلة. إرحموا الناس وأوقفوا افتعال تشنجات وسجالات لا طائل منها. توقفوا عن نهج السلبية ونمط التعطيل وعن الشحن الطائفي، وقد مررنا بالأمس القريب بـ"قطوع" استطعنا تجاوزه بحكمة المعنيين ووعيهم. إرحموا الناس الصابرة على أوجاعها والتي تصارع يوميًا لتأمين قوتها وحياتها. فما من شعب تحمّل ربع ما يتحمله شعبنا واستطاع الصمود".
وختم: "هذه هي ميزة اللبناني المنتفض دومًا على اليأس، والذي يمتلك ميزة حبّ الحياد والإصرار على النهوض".