مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

التوترات جنوباً... عراضات لن تتسع لحرب مقوّماتها مفقودة

في وقت لم يلتقط فيه البلد أنفاسه بعد من فتنة القرنة السوداء، دخل بالأمس في فصل جديد من التوتر إنما هذه المرة من أقصى الجنوب وليس من أقصى الشمال في حين ينتظر اللبنانيون بارقة أمل من الزيارة الثانية للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي من المتوقع أن يحمل في جعبته طرحا يتمحور حول الحوار بين الأطراف كافة علّه ينجح في إخراج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة بعد أكثر من ثمانية أشهر من الشغور.

التوترات جنوباً... عراضات لن تتسع لحرب مقوّماتها مفقودة

خاص - وردنا 

إذا، قطوع آخر نجا منه لبنان، أمس الخميس بعد أن حكي عن إطلاق صاروخ صباحا من الجنوب في اتجاه اسرائيل، لينفي الجيش الاسرائيلي هذه المعلومات. لكن بعد ساعات، غرّد المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي عبر حسابه على تويتر"، قائلا: "متابعة للإنفجار بالقرب من قرية الغجر، فبعد تحقيق لقوات الجيش التي وصلت للمكان، إتّضح أنه تمّ إطلاق قذيفة من الأراضي اللبنانية إنفجرت بالقرب من الحدود داخل الأراضي الإسرائيلية. وردًا على ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة منطقة الإطلاق داخل لبنان". واستهدف القصف المدفعي الإسرائيلي خراج بلدة كفرشوبا ومزرعة حلتا. وكالعادة، أجرت قوات "اليونيفيل"، اتصالات مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين لمنع أي تصعيد إضافي في المنطقة الحدودية.

وعلى الرغم من خطورة الوضع، والتوتر القائم على الحدود، وتخوّف اللبنانيين من اندلاع الجبهة الجنوبية إلا أن أحد الخبراء العسكريين والاستراتيجيين أكد في تصريح لموقع "وردنا" انه لن يكون هناك أي حرب في الجنوب في المستقبل المنظور. وما حصل بالأمس "يصب في إطار العراضة الإعلامية من قبل الطرفين، وهذا بات من قواعد الاشتباك لتنفيس أي احتقان طارىء".

التطورات الأمنية جنوبا لن تؤدي مطلقا الى حرب وشيكة

وقبل الغوص في قراءة ما يجري على الحدود الجنوبية، لا بد من الاضاءة على التطورات الميدانية التي حصلت في الآونة الأخيرة، والتي يمكن أن تؤدي الى ردّات فعل تنزلق الى حرب لا تحمد عقباها حيث تزامنت العملية العسكرية الاسرائيلية التي اعتبرت الأوسع والأعنف منذ سنوات على مدينة جنين في الضفة الغربية، مع تثبيت القوات الإسرائيلية السياج الجديد الذي ضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر المحتلة إلى الأراضي السورية المحتلة، واعتبر "حزب الله" في بيان أمس أنّ هذه الاجراءات التي "فصلت بلدة الغجر عن محيطها الطبيعي التاريخي داخل الأراضي اللبنانية، خطيرة، وتعد تطوراً كبيراً، واحتلالاً كاملاً للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع فيها". كما قام الحزب منذ حوالي أسبوعين بنصب خيمتين في مزارع شبعا، يصرّ الجيش الاسرائيلي على إزالتهما. 

وذكر موقع "واللا" العبري منذ أيام أن "عناصر حزب الله نقلوا إحدى الخيمتين التي نصبهما الحزب من مزارع شبعا. ولا تزال هناك خيمة واحدة بقيت في مكانها". مع العلم أن ممثلين عن وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي، قدموا شكوى إلى اليونيفيل حول "توسيع موقع حزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية في مزارع شبعا التي تُعرف إسرائيليا بـ (هار دوف - جبل روس)، على الحدود اللبنانية". وأوضح مسؤول أمني إسرائيلي في ذلك الوقت، إنه "تم نقل رسالة دبلوماسية وعسكرية مفادها أنه إذا لم يتم إخلاء المواقع التي أقيمت على الحدود، فسيتم تنفيذ عملية لتطهير المنطقة. لا توجد نية لتحمل الاستفزاز، وهذا عمل استفزازي آخر من قبل حزب الله". ما دفع البعض الى اعتبار أن المرحلة دقيقة وحساسة، والأكثر خطورة منذ فترة، لكن، أحد المطلعين يعتبر أن ما يحصل في الغجر ليس بجديد. سكان الغجر سوريون، وكانوا في قريتهم القديمة التي تقع في الخط المشمول بالقرار 425 الذي ترعاه قوات "اليونيفيل". ضيق المساحة الجغرافية خلف خط الاراضي المحتلة، تدفع السكان السوريون الى الذهاب شمالا نحو الاراضي اللبنانية لبناء ما بات يعرف بالتعبير الأمني، الغجر الشمالي. واسرائيل مؤخرا قررت أن تثبّت سياجا، وتضم الغجر الشمالي الى الغجر الجنوبي. والخيمتان نصبهما الأهالي في مزارع شبعا على بعد 30 مترا من السياج الذي وضعته اسرائيل، وتتخذان الطابع الرمزي اذ أن اسرائيل كل فترة تعمل على تقريب السياج في اتجاه الأراضي اللبنانية، ثم ترسل شكاوى الى الأمم المتحدة، وتشتكي لليونيفيل وللأميركيين الذين أبلغوا الحكومة بضرورة إزالة الخيمتين، لكنها "تشكو لبنان بأنه اقترب من الحدود 30 مترا، في وقت انها احتلّت وثبّتت القسم اللبناني من الغجر أي أنها تعتدي وتشتكي".

مقومات الحرب غير متوافرة في الوقت الراهن

على أي حال، ورغم كل المستجدات على طرفي الحدود، فإن عددا كبيرا من السياسيين والخبراء والعمداء العسكريين، يجمعون على أنه ليس هناك من جبهة جنوبية، ولن يكون هناك أي حرب في الجنوب في المستقبل المنظور، وحتى في حال حدث اشتباك في مناطق تلال كفرشوبا او في مزارع شبعا ، فهذا "يحصل ضمن التفاهمات حول قواعد الاشتباك أي أن تضرب المناطق الفارغة من السكان، ولا يمكن أن تؤدي الى وقوع ضحايا في هذه الجهة أو تلك". ما يحصل لا يخرج اطلاقا عن تأمين الحرص الذي يبديه الطرفان سواء أكان "حزب الله" أو اسرائيل في الحفاظ على الأمن على طرفي الخط الازرق، ومنع حصول أي تدهور أمني يمكن أن ينتهي الى اشتباكات واسعة وقراءات سيئة قد تؤدي الى الانزلاق نحو الحرب. لكن، هذا لا يعني أن الحرب دائما تقع بسبب فعل يصدر عن فاعل عقلاني، لأنه يمكن أن تندلع الحرب في بعض الحالات بسبب سوء تقدير أحد الطرفين المتخاصمين، للوضع، وحينها تكون الحرب قد اندلعت عن طريق الخطأ، وهذا ما حصل عام 2006، حيث نصب "حزب الله" كمينا لدورية اسرائيلية، واندلعت الحرب، وهذا ما عبّر عنه أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله حين قال: "لو كنت أعلم".

وبالتالي، "حزب الله" كما اسرائيل لا يريدان الحرب، ولكل منهما اعتباراته الخاصة. إسرائيل لن تصعّد في اتجاه لبنان لأن مصلحتها الاستراتيجية محققة في الجنوب، وهي الاستقرار والأمن. ولا يجوز التقليل من أهمية عملية الاجتياح أو الخرق للخط الازرق الذي يمكن ان يقوم به "حزب الله". هذا لن يحدث. واسرائيل مطمئنة أن الخط الأزرق هو من أهدأ حدودها مع الدول المجاورة سواء المصرية أو الاردنية أو الجولان. من هنا، أي اشتباك أو توتر يحصل ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليه ضمنيا. لذلك، يمكن القول أن الخط الازرق منضبط بنسبة مئة في المئة. وتقيم اسرائيل حسابات بدقة قبل القيام بأي خطوة، وهي مرتاحة جدا لما تحقق من خلال القرار 1701 .

أما من ناحية "حزب الله"، فهو يدرك أن أي حرب ستكون على حساب بيئته الأساسية التي تتكون من شيعة الجنوب، وستكلّف الطائفة مليارات الدولارات، دمارا وتخريبا، ويضيع جنى عمر مؤيّديه.

إذا إستهدفت إسرائيل مواقع عسكرية داخل إيران فإن جبهات المنطقة ستشتعل

 ويحسم أحد العمداء العسكريين المتقاعدين، ليس هناك من جبهة جنوبية اذا لم تتغير التوازنات الاستراتيجية على مستوى الاقليم، أي على سبيل المثال في حال قامت اسرائيل بعملية استهدفت المنشآت النووية داخل ايران. حينها لا بد أن الحرب ستندلع خلال ساعات بحيث تطلب دعم الحزب لإطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل كضربة ثأر على الهجوم. هذا هو سيناريو الحرب أي حين نتحدث عن اهتزاز اقليمي واستراتيجي في موازين القوى الإقليمية . و"حزب الله" مستعد للدخول في حرب اقليمية أكثر من خوض حرب لبنانية - اسرائيلية. وخير دليل ما رأيناه خلال إطلاق الصواريخ  من سهل القليلة منذ فترة حيث تمّ احتواء الوضع سريعا، وسارع الحزب في القول أنه ليس هو من أطلقها، وردّت اسرائيل فقط للحفاظ على المعنويات على اعتبار أنه "لا يجوز أن يعتدي احد عليها دون ان ترد"، لكن في مناطق لم تستهدف أي من الأهداف الحيوية سواء للحزب او للدولة أو الشعب. انه رد رفع العتب.

في الخلاصة، فإن الحرب تتطلب "مقومات ليست متوافرة" اليوم اذ ما من طرف يملك حجة الحرب وما من طرف لديه إمكانية تحمّل النتائج التي تكون قاسية على الطرفين. ليس هناك نية في الحرب حاليا. وطالما أن "حزب الله" لا يعلن مسؤوليته بشكل مباشر عن أي عملية لاطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، يتم احتواء التداعيات سريعا، وتأتي ردات الفعل الاسرائيلية خفيفة حفاظا على ماء الوجه تجاه الرأي العام داخل اسرائيل. الحرب ليست رحلة ترفيهية، ولا يمكن لأي طرف تحمّل مسؤوليتها، والطرف الذي سيطلق أول صاروخ هو مسؤول عن الحرب تجاه الداخل وتجاه المجتمع الدولي، ويتحمل النتائج. مع الإشارة أخيرا الى أنه منذ لحظة توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل برضى "حزب الله"، يعني أن الاستقرار سيكون عنوان المرحلة المقبلة.

يقرأون الآن