وصل الأردن إلى مرحلة حرجة في عدد طلبة المدارس الذين أصبح الدخان جزءا من سلوكاتهم يبتاعونه "بالمفرق، سيجارة سيجارة" من أماكن لا تبعد عن مدرستهم سوى أمتار من دون إدراك لمخاطره الجمة على أجسادهم الغضة حد إصابتهم بأمراض خطيرة لا ترحم.
"لم يعد مقبولا"، أو كما أكد الملك الأردني عبدالله الثاني خلال اجتماع عُقد في قصر الحسينية الاثنين الماضي "مواجهة خطر التدخين أولوية" و "صحة أبنائنا يجب أن تكون فوق كل اعتبار "، داعيا الى "تطبيق قانون الصحة العامة في محاربة التدخين بخاصة بين الشباب".
آراء
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) استطلعت أسباب وصول الأردن إلى هذا المستوى من انتشار التدخين بين طلبة المدارس والجامعات، حيث أكد أخصائيون اجتماعيون ومسؤولون وأطباء أن نقطة البداية في هذه المشكلة تكمن في دور الأسرة في الحماية والرقابة، ثم في عدم تفعيل القانون بشكل حازم جدا وتحقيق الردع العام والخاص، أما السبب الثالث فهو أن التدخين أصبح "ممارسة غير مستنكرة بل مقبولة في المنزل والشارع والأماكن العامة وعلى مرأى من الأطفال.
وتبرز عدة أسئلة لدى مناقشة هذه الظاهرة من بينها من أوصل طلبة مدارس وجامعات وبهذه النسب الكبيرة إلى التبغ ومشتقاته، وتجربة كل نوع جديد حتى الالكتروني؟، ولماذا تدخن الأم والأب السيجارة أو النرجيلة أمام أبنائهم وكأن دخان التبغ المنتشر في أرجاء المكان لا يؤثر على صحة الأطفال حد إصابتهم بسرطان الرئة؟.
الصحة ومصدر الرزق
تحكي الموظفة في القطاع العام ربى المدادحة أنها اضطرت للاختيار بين صحتها ومصدر رزقها بعد ان تواصلت مرارا مع إدارتها لوقف التدخين لكن من دون جدوى فما كان منها إلا أن آثرت المغادرة لأن الصحة أولا بمنطق الأشياء، والسبب هو "التدخين بكافة أشكاله من سيجارة إلكترونية ونرجيلة إلكترونية وسجائر في كل أرجاء مكان عملها".
تقول ربى لـ (بترا)، إن من أوصل الأردن إلى هذه الحال الى حد استدعى تدخل الملك شخصيا هو ضعف إنفاذ القانون على المخالفين، وآلية بيع التدخين لمن هم دون سن الثامنة عشرة، وعدم وجود جولات تفتيشية على أبواب المدارس وداخل أسوارها، ولغياب تطبيق العقوبات على أرض الواقع لتحقيق الردع العام والخاص.
وتشير ربى التي مضى على تركها العمل بإجازة من دون راتب 1400 يوم هربا بصحتها من خطر التدخين، الى أن الأردن ليس الوحيد الذي ترتفع به نسب التدخين لمستويات خطيرة لكن ما هو خطير هو ان التدخين أصبح في متناول يد طلبة المدارس والجامعات دون رقابة فعلية على أرض الواقع وهذا رفع خسارة الأردن على المستويات كافة صحيا وماديا، وترك الأطفال يواجهون مصيرا مرعبا، وهذا يعني أن مستقبل المجتمع لن يكون بخير.
"لا للتدخين"
العضو المؤسس لجمعية "لا للتدخين" الدكتورة لاريسا الور تشير الى أن دراسة مسحية أجرتها الجمعية بالتعاون مع مكتب مكافحة السرطان العام الحالي بعنوان "حماية أطفال المدارس من تكتيكات الترويج لمنتجات التبغ" كشفت مدى انتشار نقاط البيع في محيط 150 مترا من المدارس في منطقتين في العاصمة عمان.
وبحسب الدراسة فإن 70 في المئة من المحلات حول 94 مدرسة تبيع منتجات التبغ، و 20 في المئة منها شوهد بيع منتجات التبغ بـ "الفرط"، وحوالي 80 في المئة من هذه المحلات لم تضع لافتة تحظر بيع منتجات التبغ للقاصرين.
وقالت الور، إن دراسة أجريت عام 2013 حول أرقام التدخين بين طلبة المدارس، بينت أن نحو 25 من طلبة المدارس بعمر 13 إلى 15 سنة من المدخنين، وأن أكثر 50 في المئة منهم كان بمقدورهم شراء التبغ بسهولة من المحلات التجارية، وفي مسح (ستبس) الذي أجري عام 2019 للبالغين تبين أن نسبة الإقبال على السجائر العادية بلغت 66 في المئة، والسجائر الإلكترونية 15 في المئة، وأن الفئة العمرية التي تتراوح بين 18-44 عاما، هي الأكثر استهلاكا للتبغ مقارنة بالفئة العمرية 45-69 عاما، مشيرة الى تزايد انتشار التدخين بالتزامن مع السماح بالسجائر الالكترونية والتبغ المسخن وجاذبية هذه المنتجات الجديدة بسبب تعدد نكهاتها التي تتراوح بين الموز والكرز والفراولة والتفاح، وكلها نكهات محببة للأطفال.
ورجحت أن التعرض القسري للتدخين هو الدافع الأول لليافعين للإقبال على التدخين، مشيرة الى أن الذين يتعرضون للتدخين السلبي قد يكون أشد وقعا بسبب تأثير التدخين على المنطقة الأمامية للدماغ، وعلى نمو الرئتين.
الاعلام الصحي
مدير مديرية التوعية والإعلام الصحي بوزارة الصحة الدكتور غيث عويس أوضح أن الطلاب من عمر 12- 16 عاما يميلون لاستكشاف أمور جديدة بجرأة أكبر ومنها التدخين، محذرا من تأثيراته السلبية على التحصيل العلمي وتراجع نموهم.
وأكد عويس أن إحدى الدراسات أثبتت انتشار التدخين بين طلبة المدارس، مشيرا إلى أن انتشار التبغ بأشكال ورسومات ونكهات متعددة يعتبر جاذبا للطلاب في غياب إدراك المخاطر المترتبة على ذلك.
وقال، إن وزارة الصحة عملت على سن التشريعات ووضع مسودات لعدد من القوانين منها قانون الصحة العامة الذي يمنع التدخين بكافة أشكاله في الأماكن العامة والتي قد يتعرض فيها الأطفال للتدخين السلبي، وغلظ العقوبات على المدخنين في المدارس ودور الحضانة، وهذا العام تم تسمية ما يزيد على 400 ضابط ارتباط يحملون الصفة العدلية حيث كان عددهم 300 تقريبا العام الماضي، وتم العمل من قبلهم على مخالفة وإغلاق منشآت غير ملتزمة بالقانون.
وبين أن عدد الزيارات التي قام بها ضباط الارتباط العام الحالي بلغ 4 آلاف و500 زيارة تقريبا نتج عنها توجيه حوالي 740 إنذارا للمنشآت المخالفة، بينما قام ضباط الارتباط العام الماضي بتنفيذ حوالي 8 آلاف زيارة نتج عنها ما يقارب 870 حالة مخالفة.
وقال، إن عدد عيادات الإقلاع عن التدخين سترتفع هذا العام الى 29 عيادة، مشيرا الى أن البداية كانت بـ 5 أطباء في حين بلغ عدد الأطباء المدربين لهذه الغاية 68 طبيبا هذا العام، وتتراوح نسبة المقلعين عن التدخين من مراجعي هذه العيادات بين 6 – 9 في المئة.
صحيا
أخصائية الأمراض الصدرية واعتلالات النوم لدى الأطفال الدكتورة منتهى العيدي أشارت إلى صعوبة إقناع المراهقين الذين اعتادوا التدخين بإيقاف هذه الممارسة خاصة إذا كان الطفل محاطا ببيئة من المدخنين، وما يتبع هذه العادة من احتمالية زيادة مرات دخولهم للمستشفى نتيجة الانتكاسات المتكررة جراء عدم إيقاف الدخان.
وقالت العيدي، إن أكثر ما يتعرض له الأطفال المدخنون هي التهابات الأذن الوسطى بالإضافة إلى الإصابة بالربو في مرحلة عمرية مبكرة لأن التدخين يضعف وظائف الرئة، مؤكدة ان التدخين بعمر مبكر وزيادة سنوات التدخين يزيد احتمالية الإصابة بالسرطان والأمراض القلبية الوعائية.
وأشارت إلى أن الدخان هو المهيج الرئيس للقصبات الهوائية ويقلل من إمكانية السيطرة على الأعراض أيا كان الدواء الموصوف ما لم يتم السيطرة على التعرض للتدخين، موضحة أن ضعف الجهاز التنفسي بسبب التدخين يؤدي الى ضعف وظائف الرئة وحدوث الانتكاسات بصورة متكررة.
تربويا
وقال المرشد التربوي الدكتور بهاء الشواقفة إن عقوبة الطالب المدخن داخل المدرسة تبدأ من توجيه انذار وتتدرج إلى الفصل من المدرسة، مؤكدا أن تقليد الطالب لمحيطه هو السبب الاول في أن يصبح مدخنا.
الأخصائية النفسية والتربوية حنين البطوش قالت إن التدخين أصبح ظاهرة منتشرة في المدارس وبنسب عالية بسبب فضول التجربة لدى فئة المراهقين واعتقادهم الخاطئ بأن التدخين من علامات البلوغ.
وأكدت أهمية تصحيح الاعتقاد الخاطئ بين المراهقين حول أن التدخين يسحب التوتر والقلق ويخفف من العصبية، معربة عن الأسف من تراجع رقابة الأهل على أبنائهم وسهولة الحصول على منتجات التدخين في ظل عدم إنفاذ القانون بشكل فعلي وواقعي.
وأشار الى أن العقوبة تطبق فقط داخل المدرسة على من يدخن فعليا بينما لا يعاقب حامل علبة الدخان أو الولاعة أو من يدخن خارج أسوار المدرسة.
وأكدت مديرة مكتب مكافحة التبغ والسرطان في مؤسسة الحسين للسرطان الدكتورة نور عبيدات أن التدخين في سن مبكرة يترتب عليه صعوبة في الإقلاع عنه وتزداد احتمالية حدوث السرطان خاصة سرطان الرئة الذي يعتبر أحد 15 نوعا من السرطان.