في ظل الجمود السياسي القاتل، بانتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت لمعرفة ما لديه على صعيد مسعاه الرئاسي، تبدو الحركة على خط الديبلوماسيين الوافدين ناشطة ولافتة اذ تزامنت زيارة مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين مع زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، وكثرت التساؤلات في الاوساط الصحافية عما اذا كانت هذه الزيارات منسقة أو ان المواعيد تزامنت صدفة الا أن أحد وزراء الخارجية السابقين اعتبر في حديث لموقع" وردنا" ان لا ترابط في الزيارات ولا تنسيق بين الديبلوماسيين، لكن لا بد ان هناك بعض الاهداف المشتركة منها رئاسة الجمهورية، رغم ان الاولويات مختلفة. كما لا بد من الاشارة الى أن الجميع لاحظ تغييرا أو تليينا في المواقف ان كان على الصعيد الداخلي وما صرّح به رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى الـ45 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه خير دليل حيث دعا رؤساء الكتل النيابية الى الحوار في شهر أيلول تحت قبة البرلمان لمدة حدّها الأقصى سبعة أيام، وبعدها نذهب الى جلسات مفتوحة ومتتالية دون ذكر مرشحه للرئاسة الأولى رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية. أما على الصعيد الخارجي، لفت تصريح عبد اللهيان خلال مؤتمر صحافي عقده بعد وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي آتياً من دمشق، وقال فيه: "خلال المباحثات التي سنجريها في لبنان، سنحثّ مختلف الاطراف على التوصّل إلى تفاهمات تؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة"، كاشفا "أنّنا سمعنا من المسؤولين السعوديين خلال المباحثات الّتي أجريناها معهم، تصريحات إيجابيّة وبنّاءة بشأن دعم لبنان"، لافتاً الى أن "المتوقَّع من مختلف الجهات الاقليميّة والدّوليّة، دعم لبنان اقتصاديّاً وتجاريّاً، لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد".
وفي هذا السياق، اعتبر أحد النواب في حديث لموقعنا ان عبد اللهيان أراد ايصال رسالة ايجابية الى الداخل والخارج، مفادها ان ايران لا تعرقل المسار الرئاسي في لبنان خصوصا بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي تحدث فيها امام سفراء بلاده عن تدخلات ايرانية في الشأن اللبناني، ولا بد انه سيبلغ حلفاءه في الداخل بتليين المواقف أو تسهيل المسار الرئاسي رغم انه من المبكر الحديث عن ايجابيات حاليا كما ان وزير خارجية ايران تعمّد الكشف عن أجواء مباحثاته مع السعودية في ما يتعلق بالشأن اللبناني ليقول ان الاتفاق السعودي - الايراني أوجد مناخاً جديداً بالنسبة الى لبنان، وبالتالي، ليس مستبعدا أن يحمل معه لودريان مبادرة جدية أو أكثر واقعية بعد أيام. لكن، وفق أحد نواب المعارضة، فإن عبد اللهيان لم يكشف جديدا لناحية السعودية التي لطالما أرادت وتريد الخير للبنان، الا أنها تطلب الاصلاحات قبل القيام بأي خطوة تجاه لبنان.
وإذا كان البعض يفضل التروّي، وعدم الحديث اليوم عن ايجابيات لأن المواقف الاعلامية لا تعكس حقيقة الأمور، ولا بد من انتظار النتائج الفعلية والواقعية خصوصا انها ليست المرة الأولى التي تصادف فيها زيارة مسؤول أميركي مع مسؤول إيراني إلى لبنان اذ حصل ذلك أكثر من مرة، أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى بيروت بالتزامن مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل عام 2020. وقبلها بسنوات، تزامنت زيارة لهيل مع زيارة لحسين أمير عبد اللهيان، عندما كان مساعداً لرئيس مجلس الشورى للشؤون الدولية، لكن ما هو مسلم به أن الملفات اللبنانية ترتبط بمستجدات المنطقة، خصوصاً على المستوى الإيراني - السعودي، ولا يمكن تجاهل نتائج اللقاءات التي عقدها عبد اللهيان في الآونة الأخيرة ومنها لقاءاته مع أركان القيادة السعودية لا سيما منهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، حضر فيها ملف لبنان بكثير من تفاصيله، ولا سيما الاستحقاق الرئاسي كما ولقائه مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الأسبوع الأخير من تموز الماضي، بعد أيام قليلة على اجتماع "الدوحة الخماسي" في السابع عشر من الشهر نفسه بحيث طُرحت مختلف الملفات التي تعني لبنان.
وفيما تبدو أولوية هوكشتاين في ملف ترسيم الحدود البرية طالما يعتبر أنه نجح في الترسيم البحري، لكنه ليس بعيدا عن الاستحقاق الرئاسي الذي هو أولوية بالنسبة لفرنسا، ويهمها كثيرا أن تنجح في مسعاها على هذا الصعيد، واستعادة دور معين في المنطقة ولبنان خصوصاً، فقد كثرت التساؤلات حول المواقف والتصاريح التي وصفت بـ"اللطيفة" رغم ان بعض نواب المعارضة ومنهم نواب كتلة "الجمهورية القوية" يطلبون من ايران عدم التدخل في الشأن اللبناني كما يعتبرون ان ربط الرئيس بري بين الحوار والجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية يندرج في سياق الابتزاز السياسي، والدستور واضح في انتخاب رئيس الجمهورية. أما كتلة "لبنان القوي" كما كتلة "اللقاء الديمقراطي"، فتؤيدان دعوة بري الى الحوار على اعتبار ان لا مخرج من المأزق دون التحاور والتناقش.
على أي حال، وبغض النظر عن المواقف من دعوة الرئيس بري الى الحوار، وكلامه الذي اعتبره البعض يحمل في طياته اشارات ايجابية، لملاقاة المتغيرات الحاصلة حول عدم دفع البلد الى الانهيار، يبقى السؤال الاهم بالنسبة للبنانيين: هل حركة الديبلوماسيين ستنتج بركة في الاستحقاق الرئاسي؟ وهل عبد اللهيان يحمل الرسائل الى حلفائه تسهيلا للاستحقاق الرئاسي، وبالتالي، ربما نشهد على حلحلة رئاسية في شهر أيلول الجاري؟
يجيب أحد السياسيين المخضرمين:" لا بد أن عبد اللهيان يحمل رسالة ايرانية الى حلفائه في الداخل اللبناني بما يساعد على ترسيخ الاتفاق السعودي - الايراني، وهنا بصيص أمل، لكن في الوقت نفسه لا يجوز ان نذهب بخيالنا بعيدا". أما أحد المطلعين، فيؤكد لـ"وردنا" ان الجو العام والتحركات والدينامية التي نراها، والتصاريح الايجابية من هوكشتاين الذي تحدث عن امكانية حل الحدود البرية اذ ان لقاءاته مع المسؤولين كانت جيدة جدا اضافة الى تصاريح وزير الخارجية الايراني، وكلام بري بالامس، كل ذلك يشير الى ان هناك تطورا أو حراكا دوليا واقليميا يحصل، وان المناخ العام تغيّر عن المرحلة السابقة، وسنرى نتائجه على الداخل اللبناني وربما نكون اليوم أكثر من أي وقت مضى على مقربة من انتخاب الرئيس، لكن الطبخة لم تنضج بعد. والسؤال حاليا: ما هي الصفقة أو التسوية التي يمكن ان تنتج رئيسا خصوصا ان دخول ايران على الخط يدعو الى التفاؤل رغم انها لم تنضم الى اللجنة الخماسية، لكنها غيّرت مسارها بالنسبة للبنان، وتنسق مع هذه اللجنة، وما علينا اليوم سوى انتظار نضوج الطبخة الرئاسية ومعرفة من هو الرئيس.