الملصق الترويجي لفيلم "أوبنهايمر"

عادت الانتاجات الكبيرة الى دور السينما، بعد أن تراجعت بفعل جائحة كورونا والذهاب نحو المنصات الالكترونية وغيرها من الشركات الكبرى.

ولعل دخول التقنيات الحديثة والإعتماد على المؤثرات البصرية من خلال الكومبيوتر، ساهم بطريقة ما الى اختفاء نكهة كنا نتمتع بها في أفلام ما قبل عصر الرقمنة. ولا داعي هنا للحديث عن بعض الأعمال التي تمثل أيقونة الفن السابع مثل The Godfather وغيره الكثير. 

ومن إحدى مميزات المخرج كريستوفر نولان أنه لايزال "كلاسيكيا" في هذا المجال، إذ يفضل اعتماد الديكور وبناء المحيط السينمائي لمشاهد الفيلم، بدل الغرافكس.

 السينما الجميلة هي تلك التي تعكس الواقع القبيح

وهنا لسنا بصدد الحديث عن فلسفته الخاصة بعالم الإخراج، إنما لطرح مسألة مرتبطة بالسينما وبنا كبشر وهذه "العلاقة الثنائية" وما تجسده من أفكار انسانية مختلفة على المستويات كافة، الفكرية والنفسية والعقائدية…

في فيلمه الأخير "أوبنهايمر" Oppenheimer قدم لنا نولان عملا فنيا لقصة حقيقية، وقعت قبل نحو ثمانين عاما ولاتزال آثارها معنا حتى اليوم، هذا الاكتشاف العلمي الذي دمرّ العالم أو منع ذلك، سؤال لم يستطع Oppenheimer الاجابة عنه لا في الواقع ولا في الفيلم.

يا لها من مفارقة، السينما الجميلة هي تلك التي تعكس الواقع القبيح.

من الناحية الجمالية، شاهدنا فيلما يحتوي على كل عناصر "التشويق" والابهار البصري، سواء لجهة السياق الدرامي والجو الذي رافقه لناحية المشاهد بالأسود والأبيض أو تلك التي دخلت عليها الوان تعقيدات الفيزياء أو الخاصة بالعلاقات الإنسانية بكل تشعياتها والأخرى المرتبطة بالاضطرابات النفسية.

إنه فيلم من زمن الحرب الكبرى، هذا الواقع القبيح، من دون أن يعرض مشاهدها فهي حيّة في عقل كل منا، هيروشيما وناغازاكي اسمان توأمان لأفظع فظائع الحرب بحجة إحقاق السلام.

والأكيد أن كريستوفر نولان حجز لنفسه موقعا على رأس قائمة جوائز الأوسكار.

لكن مهلا، لسنا بصدد الكتابة عن الفيلم من الناحية الفنية، إنما للاشارة الى حرب فظيعة تجري أحداثها كل يوم، ولا تتحدث عنها نشرات الأخبار.

إنها الاتجار بالبشر، حرب فظيعة أخرى وأفظع ما فيها اولائك الأطفال الذين يخطفون لاستغلالهم في تجارة الجنس وغيرها.

صورة مجرد التفكير بها يحاول عقلنا الهروب منها، فهي تماثل القنبلة الذرية بقسوتها.

وهذا ما أشار اليه الممثل "جيم كافيزل" Jim Caviezel بدور "تيم بالارد" Tim Ballard في فيلم Sound of Freedom للمخرج "اليخاندرو مونتيفردي" Alejandro Monteverde وهو مقتبس عن قصة حقيقية أيضا عن حياة الشرطي Ballard في مواجهة شبكات الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسيا.

تجارة باتت تدرّ أموالا أكثر من تجارة الأسلحة حول العالم

القصة تضاهي بقسوتها أفعال قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، كيف يمكن لعاقل فعل كل هذا بكل ما هو برئ ويجسد صورة الله على الأرض، كما ورد في إحدى الحوارات God’s children are not for sale

وفي حوار آخر يقول بطل الفيلم Jim Caviezel إن حقيقة ما يحدث قاسية لدرجة أن الناس يتجنبون الحديث عنها أو مناقشتها، وهذا صحيح أيضاً.

وهو، أي جيم كافيزل، قدم أداء رائعا لابد أن يكون الى جانب نولان على مسرح دولبي في هوليوود خلال حفل الأوسكار.

مرة أخرى، عمل سينمائي رائع لحقيقة بشعة لدرجة أننا نرفض التفكير بها أو الحديث عنها.

Sound of Freedom لايمكن الّا أن تتسمر على مقعدك وأنت تشاهده، مع مئات الأفكار التي تمرّ في ذهنك. لقد فعل فعله وأدخلنا الى آتون من عالم الجريمة المنظمة يفوق كل تصور.

بينما الناس انشغلت بفيلمي Oppenheimer و Barbie كان Sound of Freedom منجزا قبل خمس سنوات (2018) جاهزا لهز أعماقنا البشرية والإنسانية، ولم يُعرض لأسباب تتعلق بشركات الانتاج والاعتقاد أن القصة أقسى من أن يتحملها المشاهدون.

الى أن دخل صالات العرض هذا العام، وفي نهاية الأسبوع الأول من عرضه كان قد حطم أرقام مشاهدات قياسية.

Sound of Freedom هو فيلم العام والأعوام الخمس التي انتظرها على رفّ شركة الإنتاج.

عود على بدء، الإنتاج الضخم ليس بالمؤثرات البصرية والصوتية والأزياء… فقط، إنما بالقصص التي تعيد الينا صوابية التفكير نحو قضايا تمس جوهرنا الإنساني وليس بقصص الإستهلاك السريع.

Jim Caviezel الذي أبدع في فيلم The Passion of the Christ عام ٢٠٠٤، يقول إن دوره بتجسيد قصة الشرطي Tim Ballard هو أهم دور قام بأدائه بعد دور السيد المسيح.

في تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يشير الى أن عشرين في المئة من الإتجار بالبشر هم أطفال، وفي مناطق أخرى لاسيما في بعض الدول الأفريقية تصل النسبة الى مئة في المئة، وبعض الحكومات لاتزال بحالة إنكار لهذا الواقع. 

واقع مريع جسده Sound of Freedom للخروج من حالة الإنكار هذه، ونشر الوعي حول تجارة باتت تدرّ أموالا أكثر من تجارة الأسلحة حول العالم، إنها "تجارة الرق والعبودية الحديثة".  

الملصق الترويجي لفيلم Sound of Freedom

يقرأون الآن