إقتصاد

هل تستوعب الأسواق عودة النفط الإيراني المرتقَبة؟

هل تستوعب الأسواق عودة النفط الإيراني المرتقَبة؟

منصة استخراج نفط تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية في الخليج العربي - بلومبرغ

تحت عنوان "مع تقدم المحادثات الأمريكية.. هل تستوعب الأسواق عودة النفط الإيراني المرتقَبة؟"، نشر موقع بلومبرغ الشرق خبرًا عن استعداد إيران لزيادة مبيعات نفطها في الأسواق العالمية، إذ تُظهِر المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات بوادر تقدُّم، ولكن حتى إذا أُبرِمَ اتفاق، فقد يأتي تدفُّق النفط الخام الإضافي إلى السوق تدريجياً.

قال مسؤولون إن شركة النفط الإيرانية الوطنية المملوكة للدولة تعمل على تهيئة حقول النفط بجانب علاقات العملاء، حتى تتمكن من زيادة الصادرات في حالة التوصل إلى اتفاق.

في أكثر التقديرات تفاؤلاً، يمكن أن تعود البلاد إلى مستويات الإنتاج في فترة ما قبل العقوبات التي كانت تقارب 4 ملايين برميل يومياً في أقلّ من ثلاثة أشهر، كما يمكنها الاستفادة من كميات نفط على سفن الشحن البحري خُزّنت بعيداً في خزانات.

لكن يبقى عديد من العقبات التي يجب التغلب عليها في المقام الأول أكثر مما يمكن أن يحدث في شأن الاتفاق النووي. يجب أن يؤدي أي اتفاق إلى تفكيك سلسلة القيود الأمريكية بالكامل على التجارة والشحن والتأمين التي تشارك فيها الكيانات الإيرانية. حتى مع ذلك، قد يظلّ المشترون مترددين، وفقاً لمحمد علي خطيبي، المسؤول السابق في "شركة النفط الإيرانية الوطنية".

عودة تدريجية

ويعتقد خطيبي كما جاء في مقابلة معه أنه قد تكون عودتهم عملية تدريجية لا سريعة ومفاجئة، مشيراً إلى أنها لا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها، وتابع: "قد تكون عملية مطولة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تفشِّي وباء فيروس كورونا الذي أضرّ كثيراً بالطلب".

قد تكون وتيرة عودة إيران حاسمة لسوق النفط العالمية، لكن في حين أن استهلاك الوقود في حالة انتعاش، فإنه لا يزال منخفضاً بسبب عمليات الإغلاق وعدوى فيروسات كورونا المتحورة. ستفرض الإمدادات الإيرانية الإضافية عبئاً على نظيراتها في تحالف "أوبك بلس" (يضم 10 دول بالإضافة إلى أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك")، الذي يكافح على مدار أكثر من عام للتخلص من تخمة المعروض العالقة.

اتفاق وشيك

أشار الدبلوماسيون الأمريكيون والإيرانيون، الذين يتفاوضون حالياً عبر حكومات وسيطة في فيينا، إلى أنهم على وشك التوصل إلى اتفاق (جديد)، وإذا نجحوا فيمكنهم إعادة تنشيط الاتفاق النووي الدولي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من جانب واحد في عام 2018. وسيتطلب ذلك من إيران قبول القيود المفروضة على أنشطتها النووية مرة أخرى، مقابل رفع مجموعة من العقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق عليها.

لقد استفادت طهران بالفعل من المناخ الأقلّ عدائية الذي بشّر به انتخاب الرئيس جو بايدن، وبدأت إنعاش مبيعات النفط، وإرسال طوفان من الخام الإيراني إلى المشترين الصينيين الشجعان، مما أدّى إلى ارتفاع الإنتاج بنسبة 20% تقريباً هذا العام إلى 2.4 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عامين، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبرغ".

زيادة إنتاج النفط والقدرة على بيعه

وقالت سارة فاخشوري، رئيسة شركة الاستشارات في "إس في بي إنرجي إنترناشيونال إل إل سي" (SVB Energy International LLC) في واشنطن: "حتى إذا لم تُرفَع العقوبات فإنهم سيزيدون إنتاجهم على نحو أكبر، اعتماداً على قدرتهم على بيع النفط في السوق الرمادية (سوق ثانوية)”.

صيانة الآبار

أجرى المهندسون في شركة النفط الإيرانية الوطنية المملوكة للحكومة عملية تناوب لإنتاج الخام بين الحقول المختلفة للحفاظ على ضغط الخزان عند مستوى كافٍ، وفقاً لمسؤولين في الشركة طلبوا عدم الكشف عن هُويتهم عند مناقشة عمليات التشغيل. يُعتبر هذا الإجراء حاسماً للحفاظ على مستويات الإنتاج، فحسب فاخشوري من شركة "إس في بي"، فإن عمليات ضخ الغاز في حقول النفط القديمة في جنوب البلاد تلعب دوراً مماثلاً.

إذا جرى اتفاق مع الولايات المتحدة، فيمكن لإيران زيادة الإنتاج إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في غضون فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وفقاً لإيمان ناصري، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في شركة "إف جي إي" الاستشارية، التي لها عقود من الخبرة في تغطية المنطقة، بما في ذلك فترة عمل داخل إيران.

يتوقع البعض الآخر وتيرة عودة أبطأ، كما أوضح رضا باديدار رئيس لجنة الطاقة في غرفة تجارة طهران في مقابلة عبر الهاتف، أن الأمر سيستغرق فترة من 12 إلى 15 شهراً بعد رفع العقوبات لزيادة الإنتاج إلى 3.8 مليون برميل يومياً، وقال إن بعض الأعمال المطلوبة لاستعادة القدرة في الحقول، مثل إزالة وصيانة مضخات الآبار المسدودة، يمكن أن تستغرق شهراً واحداً لكل بئر.

مخزونات الصين

حتى قبل زيادة الإنتاج، يمكن لإيران أن تحقّق زيادة في مبيعات النفط. ويقدر ناصري، من شركة "إف جي إي"، أن البلاد قد خزنت نحو 60 مليون برميل من النفط الخام. نحو 11 مليون برميل من هذا الخام موجود، بالإضافة إلى 10 ملايين برميل أخرى من النفط الخفيف (يُسمَّى "المكثفات")، في "تخزين جمركي" في الصين، يُخزَّن عادة ليكون جاهزاً لبيعه للمستخدمين النهائيين، وفقاً لشركة "إف جي إي”.

يقول مسؤولو "شركة النفط الإيرانية الوطنية" إنهم حافظوا على اتصالاتهم مع العملاء، الذين هم على استعداد لاستئناف عمليات الشراء بعقود منتظمة.

تشكّل إعادة التشغيل الإيراني تعقيدات لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها. يعمل التحالف المكون من 23 دولة بقيادة السعودية على استعادة إنتاج النفط تدريجياً الذي خفضه العام الماضي عندما أثّرت أزمة تفشي فيروس كورونا في الطلب.

ألمح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى أن مجموعة المنتجين ستفسح المجال لإيران لزيادة الإنتاج، كما فعلت في الماضي، لكن من غير الواضح ما إذا كان الآخرون في التحالف، الذي يضمّ دولاً حريصة على إنعاش الإنتاج مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة، سيستوعبون ذلك، لكن قد لا يحتاجون إلى أن يكونوا كذلك.

محادثات صعبة

مع استمرار عملية المساومة بين طهران وواشنطن لتأمين أفضل الشروط خلال المحادثات، قد يستغرق التوصل إلى اتفاق مزيداً من الوقت. إذا تصاعدت الهجمات والحوادث الأخيرة في الخليج العربي إلى أعمال عدائية مفتوحة، فقد تفلت فرصة إبرام إتفاق تماماً.

وتتأثر المحادثات أيضاً بانتخابات الشهر المقبل، التي سيتنحى بعدها الرئيس الإيراني حسن روحاني. وفيما أيد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المفاوضات حتى الآن، قد يتخذ خليفة روحاني موقفاً أكثر تشدداً ضد الولايات المتحدة، حتى إن رُفعَت العقوبات، فإن إيران تواجه مشكلات أخرى.

وذكر خطيبي أن شركات تكرير النفط وقّعت على الأرجح عقوداً سنوية في بداية العام، مما يترك مجالاً ضئيلاً لطهران للتوصل إلى اتفاقات إمداد طويلة الأجل خاصة بها في الوقت الحالي، مضيفاً: "أكبر مخاوفنا هي القيود المفروضة على عملائنا وخوفهم من شراء النفط من إيران، ومع اقترابنا من نهاية العام، سنشهد إبرام مزيد من العقود في ذلك الوقت".

ويشكو باديدار، المسؤول في غرفة التجارة بطهران، من أن عقوبات ترمب "خنقت" علاقات إيران مع العملاء التقليديين بما في ذلك الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا، أكثر من الجولات السابقة من القيود التجارية.

بالنسبة إلى وجهة نظر كثيرين في السوق، من بنوك وول ستريت مثل "جي بي مورغان تشيس آند كو" إلى الشركات التجارية مثل شركة "فيتول غروب"، يتعافى الطلب على النفط بسرعة كافية لامتصاص براميل إيرانية إضافية بشكل مريح. ولأن التوزيع السريع للقاحات يساعد على إنهاء عمليات الإغلاق، فإن الطلب المكبوت على السفر سيؤدي إلى زيادة الاستهلاك في النصف الثاني من العام الجاري.

وقال مايك مولر، رئيس تجارة النفط في آسيا لشركة "فيتول غروب"، أكبر تاجر نفط مستقلّ في العالم: "لعودة النفط من إيران مساحة، ولن تعود من خلال دفعة واحدة هائلة".

بلومبرغ الشرق

يقرأون الآن