أدى الشعور بالرضا (عن جهود مكافحة وباء فيروس كورونا)، وسياسة كسب التأييد الشعبي، وضعف البنية التحتية، إلى ظهور موجة ثانية مدمِّرة من مرض كوفيد - 19 في الهند، وهي كارثة أصابت الملايين، وأحدثت دماراً خارج حدودها بفضل ظهور فيروس متحوِّر جديد أشد عدوى.
لكنَّ أيَّاً من هذه الإخفاقات لا ينفرد بها هذا البلد وحده؛ فلماذا لا نولي مزيداً من الاهتمام للطفرات المفاجئة من الفيروس في أماكن أخرى مجاورة، وفي أماكن ليست مجهزة بشكل أفضل لاحتواء ارتفاع مفاجئ، أو تتبُّع طفرات جديدة؟
تفشي كورونا في جنوب شرق آسيا
يجب أن تدق أجراس الإنذار في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا. إنَّه أمر سيئ بما فيه الكفاية في تايلاند وماليزيا، وبدرجة أقل في فيتنام، فقد سجَّلت جميعها حالات يومية قياسية أسوأ بكثير مما كانت عليه في الموجات السابقة لتفشي وباء فيروس كورونا.
تتجه إندونيسيا نحو تسجيل 6 آلاف إصابة يومية جديدة، وأعلنت الفلبين يوم السبت عن أكثر من 6800 إصابة. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا مجرد تغيُّر مؤقت حاد وسط اتجاه هبوطي حديث، أو هو شيء أكثر خطورة.
ولكن ينبغي أن يكون مصدر القلق الأكبر هو الزوايا الأفقر في المنطقة التي- حتى الآن- نجت من الأسوأ.
وشهدت كمبوديا ارتفاعاً حاداً للغاية الشهر الماضي، لدرجة أنَّ الزعيم "هون سين" حذَّر من أنَّ بلاده "على شفا الموت". وقد خفَّت حدَّة الإصابات الجديدة، لكن العدد الإجمالي للحالات حالياً يزيد على 24 ألف حالة إصابة، مقارنة بعُشر حالات الإصابة في أوائل شهر إبريل الماضي.
كان لدى دولة "لاوس" إجمالي إصابات أقل من 50 حالة في بداية شهر إبريل الماضي، لكنَّ الأرقام الرسمية وصلت الآن إلى أكثر من 1700 حالة إصابة بالفيروس.
في ميانمار، من الصعب حتى معرفة مدى الانتشار، نظراً لأنَّ الاختبارات انعدمت تقريباً بعد الانقلاب العسكري في شهر فبراير الماضي.
الاقتصاد يئن بسبب كورونا
يأتي كل ذلك في وقت تضعف فيه الاقتصادات والأسر بسبب تداعيات مستمرة لأكثر من عام جراء القيود المفروضة للحدِّ من انتشار الفيروسات،كما أنَّ القليل من الحكومات تتوق إلى تكرار عمليات الإغلاق التي حدقت عام 2020.
تتسم عمليات نشر اللقاحات بالبطء، والحدود مفتوحة لحرية التنقل، مع ظهور حالات بالفعل في الصين. تمتلك دولة "لاوس" ما يقرب من 5 آلاف كيلومتر، (حوالي 3100 ميل)، من الحدود مع خمسة جيران، والحالات المبكرة التي ظهرت في هذه الموجة شملت أشخاصاً يعبرون "نهر ميكونغ" من تايلاند.
كما أنَّه توجد دول أكثر ثراء، مثل سنغافورة وتايوان، التي كان يُنظر إليها على أنَّها ملاذات آمنة من الوباء لنجاحها في السيطرة على تفشي فيروس كورونا، وهي حالياً تكافح مع اتساع انتشار المرض، وتَفرض قيوداً أكثر صرامة.
تعاني اليابان من فوضى كاملة جراء تفشي مرض كوفيد – 19، مع موجة جديدة من الحالات، وواحدة من أقل معدلات التطعيم بين الدول الغنية، في حين تلوح الألعاب الأولمبية في الأفق، لكنَّها تجابه بمعارضة أكثر من 80% من السكان لإقامتها.
أمريكا الجنوبية تعاني أيضاً
آسيا ليست وحدها في هذا الأمر، إذ تكافح سلطات أمريكا الجنوبية مع موجات جديدة وفيروسات متحوِّرة مثيرة للقلق، هذه المرة قادمة من البرازيل، فقد ترك رئيس البلاد الساخر من المرض المستشفيات تعاني. لكنَّه مثالٌ صارخ، وليس الأول من نوعه في هذه الجائحة، لكيفية استمرارنا في تكرار الأخطاء نفسها.
يجب أخذ درسين واضحين في الحسبان. الأول: ببساطة، لا توجد طريقة للسيطرة على فيروس كورونا بدون لقاحات. هذا هو السبب في أنَّ أجزاءً من أوروبا والولايات المتحدة تشهد الآن أعداداً أقل، وتناقش خطط العطلة الصيفية (بفضل الوتيرة السريعة للتطعيم).
على النقيض من ذلك، تريد تايلاند إعادة فتح "جزيرة فوكيت" السياحية أمام الزوار، لكنَّها أجرت تطعيماً لما يزيد قليلاً على 1% من سكانها، وتشهد تفشي الفيروس في السجون بشدة لدرجة أنَّها تفكِّر في إصدار عفو عن مساجين.
ضرورة التوسع في التطعيم
ترك معدل التطعيم المنخفض تايوان مكشوفة عندما اخترقت الحالات إجراءاتها الدفاعية، وهي قصة مماثلة في سنغافورة، إذ يجري تطعيم المزيد من المواطنين، لكن ليس بالعدد الكافي، وكلاهما يتدافع الآن نحو التطعيم.
تندفع مدينة "ليون"، التي أُجبرت على إلغاء الأحداث البارزة مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، لمنح جميع البالغين جرعة أولى بحلول نهاية شهر أغسطس المقبل، وستطيل الوقت بين الجرعات لتغطية المزيد من الأشخاص.
يجب أن يكون هذا إنذاراً للأماكن التي تخضع فيها الحالات المحلية حالياً للسيطرة، ولكنَّ معدلات التطعيم ما تزال تعاني من الضعف الشديد.
سجَّلت هونغ كونغ تطعيم جرعتي اللقاح لأقل من 12% من السكان. وتحرَّكت أستراليا بوتيرة بطيئة على طريقة سباق الماراثون، وليس سباق العدو السريع، فقد جرى إعطاء جرعات كافية لتغطية 7% فقط من السكان، في الوقت الذي يجب فيه على كليهما بذل قصارى الجهد للاستعداد لحملة التطعيم.
غياب الرقابة
وهناك درسٌ ثانٍ حيوي من الهند، والبرازيل حقاً. هذه هي التكلفة التي يتحمَّلها العالم الأوسع للسماح للنقاط الساخنة (بالعدوى) بالتطور بشكلٍ غير خاضع للرقابة، مع عدم كفاية قدرات اختبار الإصابة بالفيروس، وإمكانات تتبع تسلسل الجينوم (لتحديد طفرات الفيروسات)، مما يسمح للسلطات الصحية بمواكبة تطور الفيروس والتصرف وفقاً لذلك. يُعين غياب هذه العناصر أن يُترك الجميع أعمى عن الحقائق.
لنأخذ على سبيل المثال ميانمار، وهي بالفعل واحدة من أكثر البلدان تضرراً، والأقل استعداداً في دول جنوب شرق آسيا، حيث توجد بها مستشفيات رثة، و0.7 سرير فقط للعناية المركزة، و0.5 جهاز تهوية لكل 100 ألف نسمة.
بالمقارنة، كان لدى الهند ما يزيد قليلاً على سريرين، وكوريا الجنوبية ما يقرب من 11 سريراً لكل 100 ألف نسمة، ولم يساعد الانقلاب العسكري على تحقيق أي من تلك العناصر، فقد كان الأطباء والممرضات في طليعة العصيان المدني.
انخفض معدل اختبارات الإصابة بالفيروس إلى متوسط يومي أقل من ألف عينة اختبار بدلاً من 18 ألف عينة اختبار قبل حدوث الانقلاب، في حين هناك أمل ضئيل في إجراء حملة تطعيم شاملة.
يجب اكتشاف الفيروسات المتحوِّرة قبل أن تنفجر العدوى، ولا يمكننا التغاضي عن ما يحدث حالياً في جميع أنحاء المنطقة. كان الفيروس المتحوِّر المزدوج الذي شوهد في الهند موجوداً في شهر ديسمبر الماضي، لكنَّه تقدَّم دون رادع. من المفترض أن يظهر المزيد من الفيروسات المتحوِّرة في هذه المرحلة من الجائحة، مما يعني أنَّ الدعم والاهتمام الخارجيين أصبحا أمرين عاجلين.
بلومبرغ الشرق