كان متوقعاً أن يبادر "حزب اللّه" بعد المذبحة الرباعية التي اقترفتها إسرائيل في عيناتا الجنوب وذهبت ضحيتها ثلاث فتيات مع جدّتهن، إلى تنفيذ معادلة نصراللّه "المدني بالمدني"، فيستهدف مدنيين إسرائيليين على قاعدة التعامل بالمثل.
ربما بات صعباً عليه إيجاد الهدف المباشر في المستوطنات القريبة من الحدود بعدما أفرغتها إسرائيل من سكانها، إمّا إلى الملاجئ أو إلى عمق مراكز النزوح، لكنّ المدن الإسرائيلية من حيفا إلى تل أبيب وما بينهما لا تزال مفتوحة أمام "صواريخه الدقيقة"، وما يمنعه من استهدافها حتى الآن هو القرار الإيراني بعدم توسيع الحرب، والمفاوضات السريّة التي تجريها طهران حول الأثمان التي تريد لقاء انكفائها، واكتفائها برسائل نارية استعراضية محدودة الأثر والفاعلية، سواء من جنوب لبنان أو من اليمن والعراق والحدود السورية الشرقية.
وكان الخطاب الأخير لنصراللّه، والذي ذهب ضحية الترويج المسبق والمحموم له، خير دليل إلى هذا "الانضباط" الإيراني. وليس من المتوقع أن تتغير المعطيات خلال الأيام الخمسة التي تسبق خطابه الجديد يوم السبت المقبل.
وأمام الاحباط الذي أصاب قيادة "الحزب" وبيئته، كان لا بدّ من الاستدارة نحو الداخل لتحقيق "النصر بالنقاط" في السياسة والعلاقات، طالما أن النصر على إسرائيل بـ"الضربة القاضية" لم يعُد مطروحاً، وحتى بالنقاط يبدو غير سهل أو غير متاح، بعد إدراك "محور الممانعة" أن أميركا وأوروبا باتتا في الواجهة، وأن روسيا والصين منكفئتان عن الحرب.
هذا ما يفسّر على المستوى المحلي إعادة الروح و"الثقة" إلى تحالف "الحزب" و"التيار العوني" على قاعدة البند العاشر الخاص بـ"قداسة" سلاح "حزب اللّه".
وليس من باب الصدفة أن تساند حارة حريك ميرنا الشالوحي في السعي إلى عدم التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، تمهيداً لشطب فرصته القوية نحو سدّة الرئاسة الأولى.
ففي خضم الحرب وخطورتها، وتحت الشعارات والمعادلات الخارجية المتقلبة، يجد "حزب اللّه" الوقت الكافي لقضم المزيد من الأوراق في الداخل، ويستغل حاجة "التيار" لإسناده في حساباته السياسية الضيقة كي يعيده إلى بيت الطاعة، تمهيداً للعب الورقة الرئاسية لاحقاً لمصلحة مرشحه، و"في المكان والزمان المناسبَين"، فيحقق في صفقات الداخل ما يعجز عن تحقيقه في حروب الخارج.
والواضح أنه يسعى إلى احتواء خيبة بيئته وشركائه في "المحور" من خلال تسجيل نقاط في التوازنات الداخلية، وترميم الثقة المهتزة به، عبر رص صفوف جبهته الداخلية، فيعوّض عن انتكاسة استراتيجيته الخارجية بنجاح تكتيكه الداخلي.
ولسان حاله يقول مع المثل الفرنسي:
"إذا لم يكن لدينا سمامن فلنأكل شحارير"!