أكّد مصدر أمني إسرائيلي كبير ومسؤولان كانا يشغلان مناصب كبيرة في السابق، أنّ "أي توغل عسكري تنفذه إسرائيل جنوبي قطاع غزة المزدحم خلال الأيام المقبلة، قد يكون أكثر تعقيدًا من هجومها البري شمالي القطاع، مع احتمال سقوط عدد أكبر من القتلى في صفوف المدنيين والقوات".
وأشار متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أمس الجمعة، إلى أنّ "العملية العسكرية ضد حركة حماس ستشق طريقها نحو جنوبي غزة"، لكنّه لم يشر إلى توقيتها. وشهد جنوب قطاع غزة موجة من القصف يوم الخميس، في محيط مدينة خان يونس، مما أثار مخاوف بين الفلسطينيين النازحين الذين يحتمون هناك من أن الهجوم العسكري المتوقع أصبح وشيكًا.
وفر مئات الآلاف من سكان غزة إلى جنوبي القطاع في الأسابيع الماضية، بعد أن طلبت منهم إسرائيل مغادرة الجزء الشمالي من القطاع. والآن يشعر الكثيرون بالخوف بعد أن أسقطت منشورات بالقرب من خان يونس، تطالبهم بترك أماكنهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة باتجاه الغرب.
وأصدرت إسرائيل تحذيرًا جديدًا للفلسطينيين في مدينة خان يونس اليوم، وطالبتهم بالإبتعاد عن مرمى النيران والإقتراب من المساعدات الإنسانية قبل بدء الضربات الجوبة.
ولفت الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، غيورا إيلاند، إلى أنّ "الهجوم البري قد يستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع لقمع مقاومة حماس في الجنوب، حيث تتمركز قيادات الحركة الآن".
وأضاف في تصريحات لرويترز: "يتمثل أحد أصعب التحديات في أن معظم سكان قطاع غزة يتمركزون الآن في الجنوب... قد يسقط المزيد من المدنيين... وهذا لن يردعنا أو يمنعنا من المضي قدمًا".
وأثارت تزايد الخسائر في صفوف المدنيين، بسبب الهجوم غضبًا في أنحاء الشرق الأوسط ولدى دول غربية، منها الولايات المتحدة أقرب حلفاء إسرائيل.
بدوره، قال كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري، في مؤتمر صحافي أمس الجمعة، إنّ الهجوم الموسع سيبدأ عندما ترى القوات المسلحة أن ذلك هو أفضل موعد لذلك".
وأضاف: "نحن مصممون على المضي قدمًا في عمليتنا. سيكون ذلك في أي مكان توجد فيه حماس، بما في ذلك جنوب القطاع"، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
نداء أميركي لإنشاء ممرات إنسانية
ساندت واشنطن الحملة العسكرية الإسرائيلية الرامية إلى القضاء على حركة "حماس"، لكن لم يصل بها الأمر إلى حد السعي لوقف إطلاق النار، ولكنها دعت إلى هدنات للسماح بدخول المساعدات لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. وقالت الولايات المتحدة: "إنّ عددًا كبيرًا من القتلى قد سقطوا بالفعل في صفوف المدنيين".
من جهته، لفت المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إلى أنّه "أجرينا محادثات معهم لإقناعهم بأنهم بحاجة إلى ضمان وجود... ممرات إنسانية للمدنيين بينما يواصلون النظر في تنفيذ عمليات برية أو عمليات عسكرية موسعة في أجزاء أخرى من غزة".
Live update: As US works to establish Gaza-Egypt humanitarian corridor, Biden said to urge PM to limit civilian harm https://t.co/Eqyk7YpUMN
— TOI ALERTS (@TOIAlerts) October 11, 2023
وتقول إسرائيل إنّها تبذل كل ما في وسعها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في عملياتها العسكرية، غير أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال يوم الخميس إنّ تلك الجهود "لم تنجح"، واصفا مقتل أي مدني بأنه مأساة.
وبعد أنّ أصبح الفلسطينيون محصورين فعليًا، فإنّ المرحلة الثانية من الحملة العسكرية الإسرائيلية تنذر بمخاطر تفوق مخاطر المرحلة الأولى. وتشير تقديرات الأمم المتحدة التي تستند إلى البيانات الصادرة عن السلطات الفلسطينية إلى أنّ نحو 400 ألف من سكان غزة نزحوا نحو الجنوب.
وقال المصدر الأمني الإسرائيلي الكبير إنّه يتوقع "أن يكون القتال في الجنوب أكثر قوة وضراوة، مع احتمال سقوط المزيد من القتلى من الجانبين". وأضاف أنّ "مدينة خان يونس تمثل قاعدة قوة لقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار".
بدوره، أكّد القيادي في حركة "حماس" أسامة حمدان، الذي يقيم في بيروت، لوكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء، أنّ "المقاومة لا تزال تعتبر أنّها في بدايات المواجهة، وهناك عزيمة وإصرار على المواصلة".
التداعيات في الجنوب
أشار الجيش الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 50 جنديًا منذ بدء هجومه البري وحتى يوم الخميس، مقارنة مع 66 جنديًا سقطوا في آخر توغل كبير للجيش في عام 2014.
وقال المصدر الأمني الإسرائيلي الكبير، الذي طلب عدم نشر اسمه: "سيكون الوضع صعبا للغاية في خان يونس لأن الكثير من الإرهابيين فروا هناك وينفذون عمليات هناك". وأضاف أنّه يرجح أن تبدأ الحملة العسكرية في الجنوب بشكل جدي في غضون أيام، وقد تستغرق وقتًا طويلاً قد يصل إلى شهر حتى الوصول إلى الحدود المصرية.
وأشار المصدر الإسرائيلي والمسؤولون السابقون إلى أنّ "تركز السكان في الجنوب يعني أنّه من المستبعد أن تكون الضربات الجوية بالضراوة نفسها التي كانت عليها في الشمال".
وأضافوا أنّ "الجيش قد يسعى إلى حث المدنيين على التوجه إلى معسكرات الأمم المتحدة بحثًا عن الأمان".
لكن هيئات تابعة للأمم المتحدة تقول إنّ عملياتها في غزة "أصيبت بالشلل فعليًا بسبب الحصار الإسرائيلي، وإنّ المدارس والمنشآت الأخرى التابعة لها أصبحت ممتلئة بالفعل بالنازحين".
وفي بداية الصراع، حث الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين النازحين على التوجه إلى منطقة المواصي، وهي منطقة رملية بها بعض البساتين تقع بالقرب من الساحل الجنوبي، لكنّها معرضة للفيضانات. وبدأ بالفعل هطول الأمطار، وبعضها كان غزيرًا.
ولا يمثل الفرار نحو الجنوب في اتجاه مصر خيارًا. ومعبر رفح الحدودي بين غزة ومصر هو المخرج الوحيد الذي لا يؤدي إلى إسرائيل، كما أنّه لا يُسمح بالمرور من خلاله سوى للأجانب ومزدوجي الجنسية والمرضى الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك. وأغلقت مستشفيات غزة أبوابها بسبب نقص الوقود.
وترى مصر ودول عربية أخرى أنّه ينبغي للفلسطينيين عدم مغادرة القطاع، خوفًا من تكرار حالة الإستيلاء على أراضيهم، مثلما حدث مع مئات الآلاف الذين فروا عبر الحدود، ولم يعودوا أبدًا إلى منازلهم عند إقامة إسرائيل عام 1948.
،