تعرض زوج عربي «م.أ» لصدمة حين اكتشف أن زوجته التي أعجب بها من النظرة الأولى قبل زواجهما ليست طبيعية 100%، إذ اكتشف أنه سبق لها إجراء جراحة تجميلية لتكبير أجزاء في جسمها، ولم تفصح عن ذلك أثناء الخطبة.
وقال لـ«الإمارات اليوم» الإشكالية ليست في إجراء الجراحة، لكن في كتمانها وإخفائها الحقيقة عنه ومنحه حق اتخاذ القرار، لافتاً إلى أنها ترفض الاعتراف بخطئها وترى أن حياتها قبل الزواج تخصها وحدها، ولا دخل له بها.
هذه الحالة ومثلها كانت محل جدل قانوني حول هذا التصرف من قبل الزوجة، فهناك من يرى أنه نوع من التغرير بحسب قانون الأحوال الشخصية ويتيح حق طلب التفريق سواء كان من جانب الزوج أو الزوجة.
ويجزم آخرون بضرورة نظر كل حالة على حدة، بحسب طبيعة الجراحة التجميلية وما إذا كان لها أثر جوهري في إخفاء عيب أو مرض مستحكم، أو أنها مجرد استخدام بسيط للماكياج لا يؤثر في طبيعة الزوج أو الزوجة.
ويؤكد كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد، أن تغيير الشكل أو التلاعب في الجسم وإخفاء ذلك نوع من الغش والتدليس المحرم، ويجب أن تؤسس الحياة الزوجية على الوضوح والشفافية.
وتفصيلاً، تكرّرت الشكاوى وحالات تنقلها شبكات التواصل الاجتماعي لأزواج اكتشفوا بعد الزواج، أن العروس تختلف كلياً عن تلك التي خطبوها، وهناك واقعة أخرى انتهت بالطلاق حين اكتشف زوج عربي، أن زوجته سبق أن أجرت جراحة تجميلية ولم تخبره إلا بعد الزواج، لافتاً إلى أنه لم يبدِ انزعاجاً في البداية، لكنه بدأ يشعر بغصة مع مرور الوقت، وتترسخ لديه قناعة بأنه تعرض للغش، وبدأ يشك في أنها ربما قامت بتجميل مناطق أخرى في جسمها، وصار يعبر عن ذلك بكل وضوح، ما تسبب في كثير من الخلافات التي انتهت بالطلاق.
فيما ذكرت زوجة «س.م» أنها فضلت عدم الإفصاح عن جراحة تجميلية أجرتها في إحدى مناطق وجهها، نتيجة تعرضها لحادث، مشيرة إلى أنها تخوفت من إبلاغ خطيبها الذي تزوجته عن تلك الجراحة، لأن الأشخاص الذين كانوا على علم بما تعرضت له عزفوا عنها، رغم أن منهم رجالاً أبدوا اهتماماً بها قبل الحادث.
فيما تعرض (ع.أ) لموقف صادم عندما كان مع زوجته وفوجئ بها تصرخ، واكتشف أنه ضغط (على سبيل الخطأ) على منطقة اصطناعية في جسدها دون أن يعلم أنها أجرت جراحة في هذا المكان، لافتاً إلى أن هذا الموقف تسبب في فجوة بينهما، لكنه لم يتخذ إجراء حيالها.
من جهته، اعتبر كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد، أن إخفاء العيوب بالماكياج أو العمليات التجميلية نوع من الغش والتدليس المحرم، ويأثم فاعله خاطباً كان أم مخطوبة، إذ إن من الواجب لبناء الحياة الزوجية أن تؤسس على الوضوح والشفافية لا على التغرير الذي يؤدي إلى سوء العلاقة وسرعة الانفصال، فضلاً عن المشكلات القضائية والعداوة الأسرية، لأنه سرعان ما يكتشف الغش والتدليس.
وأكد أن عاقبة أمر الغاش الخسران، فعلى من أراد الزواج أن يراقب الله تعالى في ذلك ولا يبني حياة على أمور غير حميدة، وعواقب وخيمة، وقال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «من غشنا فليس منا»، أي ليس على منهج الإسلام القائم على الصدق والوضوح وعدم الكذب والغش، ومن شرط وصفاً مقصوداً يحقق له غرضاً لا يتنافى مع مقتضيات الحياة الزوجية أن يكون وفياً به، فقد قال عليه الصلاة والسلام «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج».
وأشار الحداد إلى أن المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية نصت على أنه إذا اشترط أحد الزوجين في الآخر وصفاً معيناً فتبين خلافه كان للمشترط طلب فسخ الزواج، ومن لوازم الفسخ أنه يرجع بكل ما بذله من غرم، من أجل الزواج.
من جهته، قال المحامي عيسى بن حيدر، الذي أثار جدلاً قانونياً حول هذه المسألة إن «الدين الإسلامي أعلى من شأن عقد الزواج»، لافتاً إلى أن الزينة أمر فطري للأنثى، ومتى كانت باعتدال فذلك أمر لا غبار عليه، ولكن تثور المشكلات حينما يتم الإفراط بما يؤدي إلى تغيير الشكل الحقيقي للفتاة بصورة كلية لا علاقة لها بالواقع ومغايرة تماماً للحقيقة، فكلنا يعلم ما وصل إليه العلم الحديث والتكنولوجيا من تطور، وصار من الممكن تطويع التطبيقات الذكية لتعديل صورة المخطوبة وتصحيح كل العيوب الموجودة في البشرة، كما يمكن للأصباغ ومستحضرات التجميل تغيير لون البشرة وتعديله ليصبح لوناً آخر مغايراً تماماً للون الحقيقي، وينسحب الأمر على الشعر المستعار والرموش الصناعية.
وأضاف أن قانون الأحوال الشخصية فطن للأمر ووضع نصاً عاماً يتيح لكل من الزوجين الحق في طلب التفريق حال ارتكاب أحدهما التغرير بحق الآخر، ويقصد بالتغرير خداع الخاطب الآخر بوسائل احتيالية قولية أو فعلية شريطة أن تحمله على الرضا بما لم يكن يرضى به، بغير تلك الوسائل واعتبر القانون السكوت عن واقعة أو ملابسة تغريراً متى ما ثبت أن من غرر به لم يكن ليبرم عقد الزواج لو علم بتلك الواقعة أو الملابسة، وقد اشترط القانون وقوع التغرير من أحد الخاطبين وإن صدر من الولي الشرعي أو من شخص ثالث، فلابد من ثبوت علم المخطوبة بالتغرير.
ويروي بن حيدر أن الخليفة عمر بن الخطاب سأل رجلاً تزوج ويعلم أنه يعاني العقم أعلمتها أنك عقيم؟ فرد الرجل بالنفي، فأمره عمر بإعلامها وتخييرها بين البقاء في عصمته أو تطليقها. ونلاحظ أن الخليفة اعتبر واقعة السكوت عن العقم بمثابة التغرير أو التدليس المبيح للتفريق وفسخ العقد.
إلى ذلك أكد مستشار قانوني أول، وجيه أمين عبدالعزيز، أن عقد الزواج له قدسية خاصة باعتباره اللبنة الأولى في بنيان المجتمع، لذا أحاطه الشرع والقانون بضمانات عدة من بين سائر العقود، وعليه فإن أحكام التغرير المتعلقة به تختلف بحسب طبيعية الحالة، ولكي يكون التغرير موجباً لفسخ عقد الزواج حسبما نصت عليه المادة (114) من قانون الأحوال الشخصية لابد وأن يتوافر فيه اشتراطات واضحة، وهي نية الخداع، وعدم علم المغرر به إذ إن علمه بالتغرير ورضاه على إتمام العقد يسقط حقه في الفسخ.
وأوضح أنه بخصوص تغيير شكل المرأة بالعمليات أو التركيبات التجميلية يجب التفريق بين أمرين، الأول إذا أظهرت المخطوبة جمالاً مصطنعاً أخفت به مرضاً أو عيباً مستحكماً تنفر منه النفس عادة، وكان لذلك أثر مباشر في إقبال الخاطب على إبرام عقد الزواج، ومن دونه ما كان ليرضى بها ويبرم العقد، فإن ذلك يعد تغريراً يوجب الفسخ.
وأشار عبدالعزيز إلى أن الأمر الثاني، إذا كان استخدام الماكياج أو التجميل بغرض إخفاء عيوب بسيطة لا تنفر منها النفس عادة، فلا أثر له في عقد الزواج إذ إن طبيعة المرأة وحبها للظهور بمظهر الجمال والكمال قد يدفعها إلى ذلك، كما أنه لا يجوز مع قدسية عقد الزواج أن يفسخ بكل عيب خصوصاً أن الزوج يستطيع دفع الضرر عن نفسة بالطلاق.
إلى ذلك، قال المحامي راشد الكيتوب، إنه في ظل تطور عمليات التجميل وأدواته من ماكياج وغيرها تضاعفت احتمالات وقوع التغرير، مشيراً إلى أن المادة 114 من قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 نصت على أنه «لأي من الزوجين حق طلب التفريق إذا حصل تغرير من الطرف الآخر أو بعلمه أدى إلى إبرام عقد الزواج، وثبت أن من تعرض للتغرير ما كان ليبرم عقد الزواج لو علم بتلك الواقعة».
وأضاف أن المادة 115 من القانون ذاته نصت على أنه «يستعان بلجنة طبية مختصة في معرفة العيوب التي يطلب التفريق من أجلها، ويعد التفريق بين الزوجين في هذه الحالة فسخ للعقد».
إخفاء عيب جوهري
أفاد المحامي راشد الكيتوب، بأن القانون وضع شروطاً يلزم توافرها للحكم ببطلان عقد الزواج للتغرير، أن يثبت أن من غرر به ما كان ليبرم عقد الزواج لو علم الحقيقة، وأن يكون التغرير صادراً من الزوجة نفسها أو من وليها بشرط علمها، ولابد من ثبوت الواقعة بتقرير من لجنة طبية متخصصة، وأن يكون لإخفاء عيب جوهري أو تكون الواقعة في حد ذاتها عيباً بلغ حداً من الجسامة ولولاه ما كان ليبرم الزوج التعاقد إذا علم به قبل الزواج.
وأضاف أن تغيير شكل المرأة بماكياج لا ينطبق عليه الشروط التي تؤدي إلى فسخ عقد الزواج، لكن إذا كانت عمليات التجميل تخفي عيوباً جوهرية أو ينتج عنها عيوب جوهرية تبلغ حداً من الجسامة، قد تدفع للحكم ببطلان العقد بشرط ثبوت العيب الجوهري بتقرير اللجنة الطبية، ويترتب على ذلك فسخ العقد وإعفاء الزوج من المستحقات المالية للزوجة المترتبة على الطلاق كالمتعة وغيرها.
الشفافية تجنب المشكلات
قال أخصائي الجراحات التجميلية والترميمية، الدكتور مازن عرفة، إن هناك جراحات تجميلية يمكن أن تنسف قدسية الزواج قانونياً وأخلاقياً، مثل تلك التي تجرى لإثبات عدم وجود علاقات للمرأة قبل الزواج، لافتاً إلى أن هذه الجراحة محظورة في الدولة، ويمكن أن تعرض الطبيب لإلغاء رخصته والحبس.
وأضاف أن هناك في المقابل جراحات مماثلة بهدف التجميل أو التحسين لأسباب خارجة عن إرادة المرأة مثل التبعات التي تترتب على ركوب الخيل أو ممارسة بعض الرياضات المماثلة، ففي هذه الحالة لا تلام المرأة على اللجوء إليها، كما أنها أخلاقياً ليست ملزمة بالإفصاح عن ذلك لزوجها قبل الزواج إذا لم يسألها عن ذلك، لأنها أمور شخصية تخصها ومن حق كل إنسان إخفاء جوانب من حياته، طالما لا تمس الطرف الآخر أو تؤثر في علاقتهما سوياً، لكن إذا سألها وفضلت عدم إخباره فإنها تلام أخلاقياً لكن لا تتحمل أي مسؤولية قانونية.
وأشار إلى أن هناك جراحات تجميلية لا يمكن إخفاء آثارها مهما كانت مهارة الطبيب مثل تصغير أو تكبير أعضاء في الجسم، إذا كان حجمها في الأصل أكبر أو أصغر كثيراً عن الطبيعي، مؤكداً أنه يفضل في هذه الحالة الشفافية بين الطرفين قبل الزواج، تفادياً لحدوث مشكلات أو صدمات بعده.
بطلان عقد الزواج
قال مستشار قانوني أول، وجيه أمين عبدالعزيز، إن الفقهاء قسموا التغرير الذي يوجب فسخ عقد الزواج بشكل عام، إلى أنواع عدة؛ أبرزها التغرير في ركن من أركان عقد الزواج وهي الإيجاب والقبول والمحل والزوج والولي، وتوصلوا إلى أن التغرير في أحد هذه الأركان يبطل الزواج من الأساس.
وأضاف عبدالعزيز أن القانون قرّر أن يكون التفريق في تلك الحالات فسخاً للزواج لا طلاقاً، لأن الفسخ لا يمكن أن يقع إلا بحكم القاضي لسبب يوجب ذلك أو يبيحه، ولا يترتب عليه أي أثر أو التزامات لأنه يعد نقضاً لأصل عقد الزواج واعتباره كأن لم يكن، عكس الطلاق الذي يوجب التزامات معروفة على الزوج.
الإمارات اليوم