بعد أشهر من التوتر الذي شهدته العلاقة بين واشنطن وموسكو، جلس الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين على طاولة واحدة في جنيف، الأربعاء، في أول قمة بينهما، وربما لن تكون الأخيرة، لكن الآراء اختلفت في تقييم نتائجها في ما يتعلق بمستقبل العلاقات بين أقوى قوتين عسكريتين في العالم.
وكان بايدن قد اعتمد لهجة حازمة منذ توليه إدارة البيت الأبيض بداية العام حيال نظيره الروسي، ووصفه قبل عدة أشهر بأنه "قاتل"، لكن ما جرى، الأربعاء، كان محاولة لتخفيف حدة الخلافات مع روسيا وإيجاد أرضيات للتفاهم.
بعد انتهاء القمة قال بايدن إن "أربع ساعات من الحوار كانت إيجابية"، ومع ذلك من "عواقب مدمرة على روسيا" في حال وفاة المعارض، أليكسي نافالني.
وأضاف بايدن في مؤتمر صحفي أن سبب انتهاء القمة في وقت أقصر مما كان معدا لها في برنامج اللقاء، هو أن الحوار كان مباشرا على الطاولة، ولم تكن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت، "تحدثنا لمدة ساعتين بالتفصيل ولم نحتج لوقت أطول".
وفي اللقاء الذي وصفه بالصريح، أكد بايدن أنه تطرق لعدة قضايا بينها المعارض الروسي، ألكسي نافالني، ومعاهدة خفض الأسلحة والأمن السيبراني والملف السوري وملف إيران النووي وأوكرانيا وملفات أخرى.
في المقابل اعتبر بوتين، الذي عقد مؤتمره الصحفي قبل بايدن، أن اجتماعه المباشر الأول مع الرئيس الأميركي كان "بناء للغاية"، وأعلن اتفاقهما على إجراء مشاورات حول الأمن الإلكتروني.
وقد أثارت مجريات القمة ردود فعل متباينة وصم بعضها لقاء الرجلين بالفشل، لكن الكاتب في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حسن منيمنة، يرى أن القمة الأميركية الروسية "نجحت، لأن بايدن تمكن من اتخاذ خطوات لتصحيح العلاقة بين البلدين".
ويضيف منيمنة في حديث لموقع "الحرة" أن لقاء بايدن-بوتين "جاء على خلفية تفريط إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بالعلاقة مع روسيا وظهوره بمظهر الخانع لإرادة بوتين".
ويتابع أن بايدن، وعلى العكس من ذلك، قال إنه يريد علاقة طيبة مع روسيا وأن يصحح الوضع الشاذ، وما فعله اليوم حقق ذلك".
وبالإشارة إلى تصريح بوتين بأن القمة كانت "بناءة"، قال منيمنة "أي أن هناك قناعة لدى الطرفين بأن العلاقة أصبحت أكثر وضوحا وصراحة وكذلك أكثر فعالية".
ويعبر الباحث في معهد هودسون للدراسات، مايكل برجينت، عن اعتقاده بأن البيت الأبيض لم يحقق شيئا يذكر من خلال عقد القمة مع بوتين، الذي كان الرابح الأول من هذا اللقاء".
يقول برجينت في حديث لموقع "الحرة" إن "عدم وضع شروط أميركية قبل عقد القمة هو تنازل.. اللقاء بحد ذاته هو تنازل"، مضيفا أنه "كان يجدر بالرئيس بايدن أن يقول لن ألتقي بوتين إلا في حال كانت هناك حلول للهجمات السيبرانية وأن يتراجع عن تصرفاته على الحدود مع أوكرانيا".
يختتم الباحث الأميركي بالقول إن "موسكو ترفض كل المقترحات الأميركية، سواء ما يتعلق منها بأوكرانيا أو سوريا أو غيرها من الملفات، وبالتالي من غير الواضح ما الذي تريده واشنطن من عقد هذه القمة".
قبل عدة أيام من عقد القمة وعد بايدن بأن يحدد لبوتين ما هي "الخطوط الحمراء" التي لا ينبغي لموسكو تجاوزها. وقال، الاثنين، في ختام قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل "نحن لا نسعى إلى نزاع مع روسيا، لكننا سنرد إذا واصلت روسيا أنشطتها".
وفي هذا الإطار يقول منيمنة "علينا ألا نتوقع من هذا الاجتماع أن يكون بحد ذاته تبديلا جوهريا في تفاصيل العلاقة بين واشنطن وموسكو".
ويضيف "ستؤسس القمة لتغير فعلي في منحى العلاقة، وهذا مهم جدا لأن الاجتماع سيؤسس لعلاقة ندية وربما أكثر بين البلدين".
يرى منيمنة أن القمة "ستضع الرئيس بوتين أمام واقع مفاده بأن روسيا لن تكون بعد الآن قادرة على فعل ما تقوم به اليوم من دون عواقب".
وتابع "بشكل عام، لم يكن المقصود من القمة هو التطرق لكافة الملفات، بقدر ما هي محاولة لإفهام روسيا، وبوتين تحديدا، أن العلاقة من اليوم وصاعدا لن تكون علاقة تغاضي عن التجاوزات الروسية".
وفي مؤشر إلى التهدئة بين الطرفين، أعلن بوتين أنه وبايدن اتفقا على إعادة سفيريهما بعدما جرى استدعاؤهما في وقت سابق من العام. ولفت بوتين أيضا إلى إمكانية التوصل إلى "تسويات" من أجل تبادل سجناء.
واتفق الزعيمان على إجراء حوار حول "الأمن الإلكتروني"، أحد الملفات الخلافية الرئيسة بين البلدين.
ويقول المحلل الروسي ليونيد سوكيانين إن "الداخل الروسي اهتم كثيرا بالقمة لأنها جاءت بعد أن وصلت العلاقات بين البلدين لأدنى مستوى لم تشهده حتى خلال أيام الحرب الباردة".
وأضاف سوكيانين أن سوء العلاقات بين واشنطن موسكو أثر بشكل كبير ليس فقط على المصالح السياسية والاقتصادية لروسيا وللولايات المتحدة وحسب، وإنما للعالم أيضا".
يصف المحلل السياسي الروسي قمة جنيف بأنها "خطوة أولى للأمام حتى لو كانت بمقدار مليمتر واحد".
وعلق سوكيانين على "الخطوط الحمراء" التي وضعها بايدن قبيل انعقاد القمة بالقول إن "هذه الخطوط موجودة لدينا ولدى الأميركيين أيضا وعلى الجميع احترامها وهي قابلة للنقاش".
وتابع: "روسيا تعترف بخطوط الولايات المتحدة لكن بشرط أن يتم الاعتراف بالخطوط التي لدى موسكو أيضا".
وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا على مدى سنوات، خاصة بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا وتدخلها في سوريا في 2015 واتهامات الولايات المتحدة لها، والتي تنفيها موسكو، بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.
وساءت العلاقات بدرجة أكبر في مارس الماضي عندما قال بايدن إنه يعتقد أن بوتين "قاتل" مما دفع روسيا لاستدعاء سفيرها لدى واشنطن للتشاور. واستدعت الولايات المتحدة سفيرها في موسكو في أبريل.
بالنسبة لنائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية إيلان بيرمان، كانت القمة مهمة لأنها "سمحت لبايدن بإثارة عدد من القضايا الحاسمة، ومنها الحرب الإلكترونية وملف حقوق الإنسان، والبدء في تحديد بعض المشاكل في العلاقة الأميركية الروسية الحالية".
ومع ذلك يقول بيرمان، وهو خبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وروسيا الاتحادية، إن "من الواضح أيضا أن القمة لم تحقق الهدف الأصلي للرئيس بايدن المتمثل في إعادة ضبط العلاقات الثنائية مع روسيا".
ويرى بيرمان في حديثه لموقع "الحرة" أن المعطيات التي تلت القمة تشير إلى أن الكرملين فهم بشكل أفضل "الخطوط الحمراء" للولايات المتحدة، وأن واشنطن مستعدة للرد بقوة إذا لم تغير موسكو سلوكها.
ويتفق ماكس بريغمان من مركز التقدم الأميركي في أن "الاختبار الحقيقي يتمثل فيما إذا كانت روسيا ستغير سلوكها وتقلل من أفعالها العدائية ضد الولايات المتحدة وأوروبا".
في المقابل يرفض بريغمان في تصريح لوكالة "رويترز" وصف لقاء بايدن وبوتين بـ"القمة" ويرى أنه مجرد "اجتماع".
ويضيف أن أيا من الجانبين "لم يكن يتوقع تحقيق الكثير لأنه لا يوجد حاليا مجال كبير للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة كانت تهدف من وراء الاجتماع إلى "خفض التصعيد في العلاقات ووضع خطوط حمراء واضحة مع روسيا".
كذلك يرى بريغمان "أنه بالتالي كانت النتائج صغيرة، ولكن من المحتمل أن تكون مفيدة ومهمة وخاصة على صعيد استئناف المحادثات النووية وعودة السفراء".
الحرة