ما جرى في حي الشجاعية بين الجيش الإسرائيلي وحماس طرح تساؤلات عن التكتيكات الخاصة التي يتبعها الفريقين في حرب الشوارع.
عناصر حماس استدرجوا عناصر الجيش الإسرائيلي الى منزل مجهز مسبقا بالمتفجرات، وحينما جاء فريق آخر من الجنود أوقعوه في كمين مشابه.
في هذا النوع من الكمائن عادة ما تستخدم كتائب القسام العبوات الناسفة(1) أو "الأجهزة المتفجرة المرتجلة" (IED)، وهي قنابل محلية الصنع تحتوي على مكونات عسكرية وغير عسكرية، تُستخدم هذه العبوات عادة من قِبَل القوات العسكرية غير النظامية، وتُعَدُّ فعالة للغاية ضد قوة عسكرية تقليدية، قد تُستخدم في الكمائن على جانب الطريق بحيث تعترض القوات المهاجمة أو خطوط إمدادها، ويكون تركيبها في المداخل أو المباني لضرب فرق الجنود، أو قد يكون تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها، ويمكن إسقاطها من مسيرات، والواقع أن المقاومة استغلتها في كل تلك النطاقات تقريبا.
الجهاز يتكون من خمسة أجزاء تتموضع بشكل مختلف في النسخ المختلفة للعبوات الناسفة: مصدر طاقة، ومفتاح تشغيل، وبادئ تفجير، وشحنة رئيسية متفجرة، وحاوية، والأخيرة عادة ما تحتوي على مجموعة من المقذوفات مثل الكرات أو المسامير، التي تنتج شظايا قاتلة عند التفجير.
أما الشحنة المتفجرة نفسها فيمكن الحصول عليها من أي مكون عسكري، بما في ذلك المدفعية أو قذائف الهاون أو القنابل الجوية أو أنواع معينة من الأسمدة المحلية مع مادة "تي إن تي" المتفجرة، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك فهي مرنة وسهلة التصنيع بالنسبة للمقاومة، كما أن هناك طرقا لا حصر له لبنائها، ويمكن تطويعها لأي غرض بحسب المهمة، فتتمكَّن من اختراق الدروع وهدم المباني وضرب الجنود إن كانوا في فرق حرة.
وإلى جانب ذلك، تُظهِر العبوات الناسفة درجة كبيرة من التباين(2) في طريقة التفجير، فإما أن تكون عبوة ناسفة بدائية الصنع ويكون تفعيلها بواسطة مفتاح ضغط لتشبه اللغم الأرضي، أو قد يكون المشغل معقدا للغاية، فيعمل عن طريق إشارة الترددات الراديوية التي يؤقِّتها ويُطلقها فرد يراقب الهدف، أو ربما يقوم أحد الأفراد بإلصاقها على المدرعة أو الدبابة مباشرة، كما يحدث في حالة المقاومة الفلسطينية.
أضف إلى ذلك نوعا جديدا من العبوات الناسفة أُضيف مؤخرا إلى ترسانة حماس، وهو العبوات النافذة(3) أو العبوات الناسفة الخارقة للدروع (Explosively formed penetrator)، وهي صورة أكثر تعقيدا وتركيبا من العبوات الناسفة تُمثِّل تطورا مهما في هذا النطاق. عادة ما يكون غطاء هذه العبوة المعدني مقعرا ويتكون من الفولاذ أو النحاس، يؤدي هذا التقعر فيزيائيا إلى تركيز طاقة الانفجار في اتجاه معين دقيق يخلق تيارا من المعدن المنصهر الذي يمكنه أن يخترق الدروع بسرعة تصل إلى آلاف الأمتار في الثانية الواحدة، الأمر الذي يساعد في اختراق أقوى الدروع في العالم حاليا، وفي العراق مثلا أثناء غزو قوات التحالف، تمكنت هذه العبوات الناسفة من اختراق المركبات المدرعة الثقيلة ودبابات أبرامز، التي تُعَدُّ دبابات القتال الرئيسية في جيش الولايات المتحدة.
في الواقع، اختراع مفهوم العبوات الناسفة الخارقة للدروع كان عام 1910 في ألمانيا، ولكن الأمر تطلب قرنا كاملا حتى نصل إلى غزو قوات التحالف في عام 2003 للعراق، حيث كان استخدام العبوات الناسفة عموما، والعبوات الخارقة للدروع خصوصا، بمنزلة مفاجأة خطيرة لهذه القوات، بل مَثَّل بحسب بعض الباحثين في هذا النطاق(4) "السلاح الأكثر فعالية ضد القوات النظامية" في العراق، الأمر الذي جعل العبوات الناسفة عموما (والعبوات النافذة خصوصا) جزءا رئيسيا من شكل الحرب المعاصرة.
لكن الأهم من ذلك كان أن تلك الفاعلية تسببت في بناء منظومة عسكرية تتمحور حول العبوات الناسفة، فتحوَّل استخدامها من عمليات عشوائية إلى تنظيم شبه عسكري يتكون من مدير للعمليات وفريق تخطيط وفريق تنفيذ مختص فقط بالعبوات الناسفة، بل وصدرت كتيبات إرشادية حول كيفية تنفيذ الكمائن على جانب الطريق باستخدام العبوات الناسفة، وكيفية تصنيع العبوات الناسفة من المتفجرات التقليدية شديدة الانفجار والذخائر العسكرية، وكيفية القضاء على القوافل المهاجمة بالكامل(5).
أدى ذلك إلى تنوع استخدامات تلك العبوات بحسب الوظيفة، فظهرت عبوات ناسفة مخصصة للأفراد تمتلك تصميما وآلية عمل وشحنة متفجرة تختلف عن العبوات الناسفة المخصصة للمباني، وتلك المخصصة للمدرعات، والمخصصة للطائرات، والمخصصة لخلق عوائق أمام القوات المتقدمة التي تُستخدم مرحلة أولى قبل تشغيل عبوات ناسفة أخرى على الطريق لتدمير القوات كلها.
إستراتيجية حماس
في عملية 2014، نشرت حماس بذكاء آلاف المقاتلين في صورة فرق هجومية صغيرة نسبيا مدججة بالسلاح؛ وبحسب مصادر إسرائيلية(6) فقد كان مقاتلو المقاومة أكثر فعالية وشراسة مما كانوا عليه في الصراعات السابقة، حيث فاجأوا القوات الإسرائيلية وقاموا بتنسيق إطلاق النار، وأوقعوا إصابات حتى في أفضل تشكيلات المشاة والمدرعات الإسرائيلية، وفي أثناء ذلك تمكنوا من جر الإسرائيليين إلى عدد من الكمائن المعدة مسبقا، لكن الأضرار كانت طفيفة في ذلك الوقت.
لكن مع ما يظهر لنا من تطور في قدرات المقاومة، وخاصة بعد النجاح العملياتي والاستخباراتي في عملية "طوفان الأقصى" 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وانضمام أسلحة جديدة إلى الفصائل الفلسطينية، مثل قذائف الياسين والعبوات الناسفة الأحدث (ولم نتحدث بعد عن المسيرات والصواريخ الجديدة ومنظومة رجوم وغيرها من الأسلحة)، فإن ذلك يعني أن المقاومة الآن مختلفة تماما، وأن خطتها بإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي تتحقق ببراعة.