شكلت وفاة نجم مسلسل "فريندز" المحبوب، ماثيو بيري، صدمة لمحبيه حول العالم، خاصة أنه بدا وكأنه على طريق التعافي من الإدمان الذي طارده معظم حياته، إلا أن التقرير الذي كشف عن أن سبب الوفاة هو الـ"كيتامين"، سلط الضوء على هذا العقار، والجدل المحيط باستخدامه.
والكيتامين كان دواء مخصصا للتخدير الطبي والبيطري، قبل أن يمسي علاجا شائعا وسريع المفعول للاكتئاب، وغيره من حالات الصحة العقلية الخطيرة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وكان تقرير مكتب الطب الشرعي في لوس أنجلوس الأميركية، قد قال إن وفاة بيري نجمت عن "الآثار الحادة" لتعاطيه مادة الكيتامين، إلا أنه أوضح أن عوامل أخرى ساهمت أيضاً في الوفاة، من بينها "الغرق" و"مرض القلب التاجي"، وآثار "البوبرينورفين"، وهو دواء يُستخدم لمعالجة إدمان المواد الأفيونية.
وبحسب "واشنطن بوست"، فإن آخر جرعة كيتامين تلقاها بيري، الذي رحل عن عمر ناهز 54 عاما، كانت قبل نحو 10 أيام من وفاته، وبالتالي أوضح مكتب الطب الشرعي أن "المستويات العالية من الكيتامين" في جسمه، "لا يمكن أن تكون ناجمة عن جرعة علاجية".
هل الكيتامين آمن؟
عند استخدامه تحت ظروف خاضعة للإشراف، ومع فحص دقيق للمريض، فإن معظم الأطباء وخبراء الصحة يعتبرون أن العلاج بالكيتامين آمن بشكل عام، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جميع الأدوية تحمل بعض المخاطر، خاصة عند استخدامها دون إشراف طبي وبجرعات غير مسموح بها.
وبناء على ذلك، فإن استعمال الكيتامين دون رقابة وإشراف، قد يترك بعض الآثار الضارة على الحالة العقلية، وعلى معدل ضربات القلب، والعلامات الحيوية الأخرى.
لذلك، يوصى باستخدام هذا العلاج عندما تكون هناك إمكانية لمراقبة المريض عن كثب من قبل مقدم الرعاية الصحية، وذلك أثناء التداوي وبعده.
يشار إلى الكيتامين هو مادة خاضعة للرقابة تنظمها إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، ويخضع لضوابط صارمة للسلامة، بسبب احتمال إساءة استخدامه.
ويقول الأطباء إن بعض الأدوية المرافقة قد تجعل العلاج بالكيتامين محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لبعض المرضى، لذا فإن مراجعة التاريخ الطبي للمريض، لاسيما فيما يتعلق بالصحة العقلية، أمر بالغ الأهمية قبل الشروع في هذا العلاج.
وتنصح الجمعية الأميركية لأطباء الكيتامين والمعالجين النفسيين، من يستخدمون ذلك العلاج "بعدم القيادة، أو العمل أو رعاية الأطفال الصغار أو الانخراط في مهام مرهقة لبقية اليوم بعد أخذ الجرعة".
ونشرت مجموعة دولية من الخبراء في اضطرابات المزاج عام 2021، بحثًا في المجلة الأميركية للطب النفسي، جمع أدلة بشأن بعض تأثيرات نوعين من ذلك العلاج (رذاذ الأنف المسمى الإسكيتامين والكيتامين الوريدي).
وأشار البحث إلى أن الأدوية توفر "الفرصة والأمل" للمرضى، لكن هناك "حاجة ملحة لتوضيح فعالية هذه العوامل على المدى الطويل، بالإضافة إلى الأسئلة المهمة التي لم تتم الإجابة عليها فيما يتعلق بالسلامة".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحذيراً بشأن الكيتامين المركب، إذ عادةً ما تكون الأدوية المركبة عبارة عن جرعات مخصصة ومجموعات من الأدوية التي يصنعها الصيادلة ولم تتم الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء.
وحذرت إدارة الغذاء والدواء من أن استخدام منتجات الكيتامين المركب دون مراقبة من قبل مقدم الرعاية الصحية للآثار الناجمة عليه مثل النعاس والتغيرات في العلامات الحيوية، كضغط الدم ومعدل ضربات القلب، قد يعرض المرضى لمخاطر شديدة.
وفي هذا الصدد، أوضح أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة ييل، جيرارد ساناكورا، أن الكيتامين يمكن أن يكون "منقذًا لحياة" بعض المرضى، إلا أن العديد من الأسئلة لا تزال قائمة بشأن نطاق الاضطرابات التي قد يسببها، مضيفا: "إنه ليس علاجًا معجزة للجميع".
من هم الأكثر الاستفادة من العلاج؟
علاج الكيتامين، بشكل عام، مخصص للأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي خطير، والذين جربوا أدوية أخرى دون الحصول على نتائج تذكر.
وجرت دراسته على نطاق واسع بالنسبة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المقاوم للعلاج والميل الحاد للانتحار، وقد يفيد أيضًا المرضى الذين يعانون من حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والوسواس القهري، والاكتئاب ثنائي القطب، والقلق، واضطرابات الأكل.
وأظهرت دراسة نشرت في مجلة الطب النفسي السريري لمستخدمي الكيتامين في 3 عيادات في فرجينيا انخفاضًا كبيرًا في أعراض الاكتئاب.
وفي نفس الدراسة، أظهر تقييم أكثر من 400 مريض أن 72 في المائة من المرضى شهدوا تحسنًا في مزاجهم، وأن 38 في المائة كانوا خاليين من الأعراض بعد 10 عمليات حقن.
ويعتبر استخدام الكيتامين لمعالجة الحالات النفسية "خارجًا عن التسمية"، وهذا يعني أنه من القانوني للطبيب أن يصف الدواء، لكن لم تتم الموافقة على هذا المؤشر من قبل إدارة الغذاء والدواء.
والاستثناء بهذا الشأن هو الإسكيتامين، وهو رذاذ للأنف تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 2019، ويتم تسويقه تحت اسم Spravato لعلاج الاكتئاب المقاوم للعلاج والتفكير الانتحاري الحاد.
ما الدليل على أن العلاج يعمل بشكل فعال؟
تظهر العديد من الدراسات أن الكيتامين يمكن أن يعمل كمضاد للاكتئاب سريع المفعول، مما يخفف الأعراض لدى العديد من المرضى في غضون ساعات أو أيام.
وفي حين لا تتوفر بيانات طويلة المدى، فإن بعض الدراسات الصغيرة المبكرة، أوضحت أن العلاج بالكيتامين يؤدي إلى تقليل أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ وسريع.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مضادات الاكتئاب التقليدية تستغرق من 4 إلى 6 أسابيع حتى تصبح نافذة المفعول، وفي بعض الأحيان تكون غير فعالة على الإطلاق.
وفي حين أن مضادات الاكتئاب التقليدية يمكن أن تؤثر على مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ المرتبطة بالمزاج والعاطفة، فإن الكيتامين يؤثر على ناقل عصبي مختلف يسمى الغلوتامات، حيث يعتقد أنه يعمل بشكل أساسي عن طريق جعل الدماغ أكثر مرونة وتقبلاً للعلاج أو طرق التفكير البديلة.
ماذا يحدث أثناء العلاج؟
غالبًا ما يتم إعطاء العلاج بالكيتامين من خلال الحقن الوريدي الذي يستمر لمدة 40 دقيقة تقريبًا، وهي جرعة قليلة مقارنة عند استخدامه كمخدر.
كما أصبحت الحقن العضلية والأقراص التي تذوب تحت اللسان أكثر استخدامًا على نطاق واسع، إذ يتم تناول رذاذ الإسكيتامين الأنفي مع مضاد للاكتئاب عن طريق الفم.
وفي البيئة السريرية، يجلس مرضى الكيتامين عادة على كرسي مريح، ويستمعون إلى الموسيقى أثناء إعطاء العلاج.
ويمكن أن يختلف عدد جلسات الكيتامين بحسب حالة كل مريض، لكن العديد من مقدمي الخدمة يقترحون دورة أولية من 6 علاجات على مدى أسبوعين إلى 3 أسابيع.
ويمكن أيضًا أن يكون العلاج النفسي بالكلام، والذي يحدث غالبًا بعد انتهاء تأثيرات الدواء، جزءًا من العلاج.
ويُعطى الإسكيتامين (Spravato) مرتين في الأسبوع للشهر الأول، ويمكن تناوله مرة واحدة في الأسبوع للشهر الثاني.
ويبقى المريض تحت إشراف الطبيب لمدة ساعتين بعد العلاج، حتى زوال أي آثار جانبية محتملة.
كيف يبدو العلاج بالكيتامين؟
يقول مرضى إن الكيتامين العلاجي يمكن أن يجعل المرء يشعر بالسعادة والهدوء، فيما يشرع مرضى آخرون في البكاء بشكل لا يمكن السيطرة عليه، أو قد يبدو عليهم القلق بشكل واضح.
ويمكن أن تشمل الآثار الجانبية الشائعة، الغثيان والنعاس والدوخة وضعف التركيز والشعور بالانفصال عن الواقع. كما يحدث أيضًا ارتفاع في ضغط الدم، ولهذا فإن المراقبة أثناء العلاج مهمة للغاية.