الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد السفن في البحر الأحمر أدت الى خسائر اقتصادية لقناة السويس إلا أن مصر لم تنضم الى التحالف ضدهم.
وأدت هجمات "أنصار الله الحوثي" اليمنية على السفن المتجهة إلى إسرائيل في جنوب البحر الأحمر، إلى إعلان شركات شحن كبرى تحويل مسار رحلاتها التجارية من قناة السويس إلى الدوران حول قارة أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
لقد نجح الحوثيون في هجماتهم التي بدأت الشهر الماضي ليس فقط في تعطيل التجارة مع إسرائيل، بل نجحوا أيضاً في أن يجعلوا حرب اسرائيل على غزة في مركز الاهتمام العالمي، من أجل الضغط على إسرائيل لحملها على الوقف الفوري للحرب.
قناة السويس
لعل مصر هي الدولة الأكثر تضررا من انقطاع حركة الملاحة البحرية في باب المندب، وزيادة التوترات العسكرية جنوب البحر الأحمر، مما يؤثر على أهم طريق تجاري في العالم حيث يمر عبر قناة السويس 12% من حركة التجارة العالمية.
وتعد قناة السويس أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، ففي العام الماضي، وصل الدخل المصري السنوي من قناة السويس إلى مستوى قياسي بلغ 9.4 مليار دولار.
وأعلن عدد من شركات الشحن الكبرى، تغيير مسارات إبحارها، وأنها لن تمر في البحر الأحمر، عبر قناة السويس، وأدى هذا القرار الاحترازي لعمالقة الشحن إلى التسبب في زيادة أسعار المنتجات وتأخير سلاسل التوريد العالمية. وإن كان التأثير لايزال ضئيلا حتى كتابة هذه السطور، ولكن مع مرور الوقت، من المتوقع أن نشهد زيادة أكبر في الأسعار.
بدون مصر
بسبب تصرفات إيران والحوثيين وبزعم منع الإضرار بالاقتصاد العالمي، أنشأت الولايات المتحدة قوة بحرية متعددة الجنسيات في 18 كانون الأول/ ديسمبر، والتي من المتوقع أن تحمي السفن التجارية العاملة في المنطقة. وانضمت كندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج والبحرين وإسبانيا إلى القوة البحرية المعروفة باسم "حراس الازدهار". فيما غاب عن الفريق إسرائيل والسعودية ومصر.
فلماذا ترفض القاهرة الانخراط في أي أعمال عدائية لمواجهة الحوثي دفاعا عن أهم مصادر دخلها القومي، وشريانها النابض بالحياة قناة السويس؟
أولا: القيادة المتمثلة في شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي يفضل الدبلوماسية في التعامل مع كافة الملفات حتى أكثرها حساسية وخطورة، فالرجل لم يذهب إلى الحرب في التعامل مع أثيوبيا في ملف سد النهضة والذي يهدد بناءه مستقبل مصر لن يدخل في حرب في اليمن من أجل ايرادات قناة السويس.
ثانيا: الجبهة الداخلية المصرية تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ويؤدي قرار الحرب إلى تهديد مصالح مصر ومزيد من الخسائر وعدم الاستقرار، لان القرار بخوضها لن يحظى بإجماع شعبي بعكس الاجماع بشأن اتخاذ خطوات رادعة للحفاظ على حصة مصر في حالة التعامل مع ملف سد النهضة.
ثالثا: ادراك مصر أن الهدف المعلن للحرب من جانب الولايات المتحدة وحلفاءها وهو اعادة الهدوء الى المياه الدولية والقضاء على التهديدات وعدم تهديد أمن إسرائيل، لن يتحقق وفق الرؤية المصرية بخوض الحرب ضد الحوثيين، بل بإزالة أسباب هذه التوترات وهي الحرب الدائرة في غزة والتي تؤدي باستمرارها لاتساع دائرة الصراع بشكل يهدد استقرار المنطقة والعالم.
رابعا: في الوقت الحاضر لاتزال تجربة التحالف العربي بقيادة السعودية في حربه في اليمن، حاضرة بشخوصها ومعالمها أمام كل ذي بصيرة، فقد شارك مع السعودية طائرات مقاتله من مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، كما فتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للتحالف العربي وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات. ورغم كل ذلك وبعد خسارة الجنود والعتاد والانفاق العسكري الذي تجاوز مليارات الدولارات أيقنت هذه الدول أنه لا مفر من الدبلوماسية وخرجت من هذا الصراع، وأدركوا أنها حرب لا منتصر فيها، وكل من يدخلها خاسر.
خامسا: الموقف العربي من التحالف الجديد لمحاربة الحوثيين يبدو وكأنه موحدا، حيث رفضت كافة الدول العربية المشاركة فيه فيما عدا البحرين، والذي اعتبر المراقبون مشاركتها بمثابة تمثيل عربي لعدم اغضاب الولايات المتحدة الأميركية، لكنه حمل في طياته إجابة واضحة بأن العرب لن يدخلوا حربا بالوكالة عن أحد خاصة والولايات المتحدة الأميركية أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل في حربها على غزة، وستصبح المشاركة في هذا الحلف بمثابة الجنوح الى صف إسرائيل وسيواجه بغضب شعبي واسع.
سادسا: طمأنة إيرانية، حيث بعث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي برسائل طمأنة إلى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، بعدم تأثر قناة السويس، بسبب تصعيد الحوثيين في اليمن هجماتهم على السفن الإسرائيلية، أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، خلال الفترة الأخيرة في البحر الأحمر وفق ما ذكرته مصادر دبلوماسية مصرية.
ويتلقى الحوثيون الدعم من إيران. وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن سفينة تجسس إيرانية، تبحر في البحر الأحمر، وكأنها سفينة تجارية، تساعد الحوثيين في اكتشاف الأهداف البحرية وتحديد الأهداف التي سيتم مهاجمتها.
وبحسب الصحيفة، فإن العديد من السفن المبحرة في البحر الأحمر وفي منطقة باب المندب، تقوم بإيقاف أنظمة الكشف الآلي الخاصة بها حتى لا يتم اكتشافها من قبل الحوثيين.