على حافة هاوية، يمضي اللبنانيون أيامهم ولياليهم، وعمرهم بأكمله، من شيبهم الى شبابهم. وفي المستقبل المجهول يرمون أحلامهم الوردية ومشاريعهم الاستثمارية والحياتية ليس لأنهم عشاق عذاب ومغامرات غير مدروسة أو خطوات غير محسوبة إنما لأنه كتب لهم وبخط أسود عريض أن يعيشوا لسنوات وسنوات طويلة تحت رحمة سلطة لا يهمها سوى الاستمرار في قبضتها الحديدية حتى لو كلفها ذلك موت شعب بأكمله وانهيار وطن واندثاره.
وبعد بصيص من الأمل شكّله موسم صيفي ناجح والاعتماد على عودة النمو إلى الأسواق خلال موسم العطلات، يشعر الاقتصاديون والتجار بخيبة أمل جديدة, لكن، ورغم كل الأزمات المتلاحقة من سياسية وإقتصادية ومالية وأمنية خصوصا في ظل الحرب في غزة، وتداعياتها على المناطق الحدودية، والتخوف من امتدادها الى كل المناطق، فإن الشعب اللبناني لن يرضخ لإرادة أصحاب النوايا السوداء، ولن يسمح لمجموعة الغربان أن تحلق في السماء الملبدة، منذرة بالشؤم والدمار والخراب والشر لأنه بكل بساطة، وعلى مر العصور كان مضرب مثل على انه كطائر الفينيق الذي ينفض جناحيه من تحت الركام، ويحلق عاليا في سماء، شمسها ساطعة، حاملا راية السلام البيضاء التي كتب عليها:" نريد لبنان الجمال، السياحة، الازدهار، التطور، العلم. نريد لبنان دائما وأبدا منارة الشرق، ودرة البحر المتوسط. لا نريد الحرب التي لا تؤدي الا الى القتل، والى مزيد من الحروب. لا نريد الحرب التي تدمر البشر قبل الحجر. وربما الشعب اللبناني هو أكثر من اختبر مرارة الحروب، وهم يعلمون جيداً أن المتخاصمين سيجلسون في النهاية على نفس الطاولة ويتقاسمون الغنائم، بينما سيدفع الفقراء الثمن الباهظ لحروبهم. وماذا لو كان من الممكن الاستغناء عن هذه الحرب التي لا علاقة للبنان بها بأي شكل من الأشكال، لا سيما أن كثيرين يعتبرون ما يجري في الجنوب لعبة رغم كلفته البشرية والمادية الكبيرة؟ وما الحملات على مدى السنوات الماضية التي رفعت شعار " تنذكر وما تنعاد" سوى لتنبيه جيل الشباب من الانزلاق اليها.
هؤلاء الشباب الذين سئموا من دولة مسلوبة قرار الحرب والسلم، يهاجرون الى أي بلد يشعرون فيه انهم يعيشون تحت جناح دولة، تؤمن لهم حقوقهم، ويقومون بواجباتهم تجاهها. نعم، انها دولة مسلوبة القرار، ما في اليد الحيلة. وبالتالي، يبقى البلد وأهله، رهن لما يقرره "حزب الله" اذ انه رغم خطابات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله التي لا تشير الى امتداد الحرب وتوسعها الا أن الهواجس تبقى حاضرة لأن في الحروب أي خطوة غير متوقعة قد تحصل في لحظة مشؤومة، خصوصا انه حوّل البلد الى ساحة مستباحة، ويعمل بأجندة إيرانية. وحين تقع الكارثة التي ستدمر البلد المدمر أصلا جراء أزماته السياسية والاقتصادية، لا ينفع الندم أو القول:" لو كنت أعلم".
انطلاقا من هذا الواقع، فقد قررت بعض القوى السياسية وقوى من المجتمع المدني عدم الرضوخ، وأرادت رفع الصوت عالياً، للمطالبة بتجنيب لبنان الحرب تحت شعار "لبنان لا يريد الحرب".
وبعدما تركزت الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي، وشارك فيها سياسيون وفنانون وإعلاميون، انتقلت إلى الطرق، خصوصاً في العاصمة بيروت حيث انتشرت لوحات إعلانية كُتب عليها:" بدي لبنان"، " الحرب لا تقود الى النصر بل الى مزيد من الحروب" و"لكي لا يتكرر الماضي، لبنان لا يريد الحرب". كما وصلت رسائل نصية قصيرة إلى هواتف عدد كبير من اللبنانيين تضمنت هذه الشعارات.
شعار "لبنان لا يريد الحرب"، يختصر آراء الأكثرية من اللبنانيين الذين يعتبرون انه يتم استخدام القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف سياسية خاصة، وتحويل بلد الارز الى لعبة أو دمية أو ورقة رابحة في يد دول إقليمية على طاولة المفاوضات والمساومات والصفقات.
على أي حال، وبغض النظر عن خلافاتنا فإن أغلبية اللبنانيين يرفعون الصوت عاليا:" نحن طلاب سلام، ومن الجبن محاربة من ينادون بالسلام. وكما يقال: "الحرب ليست سوى فن السلام