اذا تذكرنا قول ناحوم غولدمان "لولا الرئيس وودرو ويلسون لما كان وعد بلفور"، واذا تذكرنا كيف أن هاري ترومان بعث بطائرات أميركية لضرب الجيش المصري في النقب ابان حرب 1948؟
لهذا لاحظ الأنكليزي ديفيد هيرست بحسب الكاتب نبيه البرجي أن حروبنا تذهب هباء، لأننا نقاتل ضد الظل. في رأي قديم له أن "اسرائيل" ستبقى ليس فقط المطرقة الأميركية، وانما أيضاً القلعة الأميركية في الشرق الأوسط، ما دامت الولايات المتحدة موجودة فيه، ليضيف "لا أتصور أن المصالح الأميركية باقية هناك الى الأبد". أما وقد انتظرنا 7 عقود، ونحن داخل دوامة الدم، علينا أن ننتظر عقوداً أخرى وربما أخيرة لخروج أميركا من المنطقة، التي أقام البنتاغون أضخم فيادة عسكرية فيها خارج الأرض الأميركية.
ويضيف البرجي، شخصياً سألت هيرست، وكنا نكتب سوية في احدى الصحف، "لو وضعنا بنادقنا جانباً ـ وأنت تعلم ما حلّ بياسر عرفات حين حمل غصن الزيتون ـ ألم يكن لورثة تيودور هرتزل، أو لورثة يوشع بن نون، تحقيق "الوعد الالهي" من النيل الى الفرات"؟ رد ضاحكاً "...لكن أميركا تمتد عندكم من المحيط الى الخليج، وهو وطنكم القومي أليس كذلك"؟
في نظره، وفي نظر الكثيرين في الغرب الذين يؤازرون العرب، وهم قلة على كل حال، "انكم ضحايا أنفسكم، مثلما أنتم ضحايا دول في الاقليم تعتقد، وهي ترصد مدى ضعفكم، أن باستطاعتها الحلول محل الولايات المتحدة في ما دعاه جون فوستر دالاس "ملء الفراغ" باطلاقه "مبدأ ايزنهاور" عام 1957، دون أن تدري أنها بذلك تعمل في اطار الاستراتيجية الأميركية، التي تتوخى تفجير الصراعات العبثية التي ما برحت تستنزف حتى هياكلكم العظمية".
في وقت لاحق، تحدث هيرست عن "التجربة الاردوغانية" في محاولة اعادة احياء السلطنة العثمانية (السلجوقية)، من خلال الاستخدام التكتيكي لجماعة "الاخوان المسلمين" دون أي رابط على مستوى الأداء الايديولوجي، بينه وبين كل من حسن البنا وسيد قطب.
ثمة تعليق للمؤرخ "الاسرائيلي" آفي شلايم (الأستاذ في جامعة أكسفورد) يفجر فيه "المشهد الاسرائيلي"، بل و"المشهد اليهودي"، حين يقول ان "الأميركيين سيبقون يدعمون تلك السياسات المجنونة حتى آخر يهودي على سطح الأرض"...
سأل بذهول "كيف يمكن لدولة محدودة ديموغرافياً وجغرافياً أن تفكر وأن تتصرف أمبراطورياً"؟ ليرى أن فلسفة القوة، بأبعادها الدموية المروعة، لا يمكن لها في نهاية المطاف الا أن تدمر من يأخذ بها، مستعيداً ما حصل لهولاكو وبيسمارك وبونابرت وهتلر، ناهيك عن التجارب الأمبراطورية الكبرى...
شلايم لاحظ أن "الحلم اليهودي" بدأ بالتقهقر منذ الغرق في الرمال اللبنانية ان عام 2000 أو عام 2006، ليظهر"واقع جديد ومرير بالنسبة الى "تل أبيب" من خلال ارساء معادلة توازن الرعب"، ما يعني حدوث تغييرات جوهرية في لغة الميدان، حتى اذا كانت عملية طوفان الأقصى وما أعقبها، ظهر حتى لدى الأميركيين، مدى الهشاشة البنيوية لاسرائيل كاسرائيل". لم تعد المطرقة ولم تعد القلعة. أي مستقبل للدولة العبرية في أميركا؟؟
صاحب "الجدار الحديدي: اسرائيل والعالم العربي"، دعا القيادات السياسية والعسكرية في "اسرائيل" الى اعادة تشكيل رؤيتها اللاهوتية والعسكرية لمفهوم الدولة، ولعلاقة هذه الدولة بالدول الأخرى، ليستشعر الأهوال من ربط بقاء "اسرائيل" ببقاء أميركا في المنطقة.
لا منطق يهز تلك الرؤوس الاسبارطية، وان بدا أن القتال ضد الفلسطينيين هو القتال ضد "الصخور البشرية". التهديدات اليومية ضد المقاومة في غزة وفي لبنان. من هنا التحذيرات بأن ثلة الذئاب في "تل أبيب"، والتي تدرك ما تؤول اليه أي عملية عسكرية ضد لبنان، ترى البديل في عملية استخبارية كبرى للتفجير الداخلي.
كيف؟ اغتيالات حساسة تفضي الى صدامات دموية، لتجد المقاومة نفسها داخل هذه اللعبة. لا شك أن الأجهزة الأمنية اللبنانية أثبتت في أدائها، فاعلية تضاهي فاعلية الأجهزة الدولية الكبرى. ولكن، حين يكون لبنان عبارة عن شظايا سياسية وطائفية مبعثرة، أي عيون أو أي آذان، يمكن أن ترصد المشهد أو... ما وراء المشهد؟