انتهت عطلة الأعياد وانتهت معها أيام التراخي القليلة التي عاشها اللبنانيون إلى جانب مسؤوليهم، ليعود أمن الجنوب إلى واجهة الاهتمام السياسي، ولو انه لم يغب عن أولوية الجنوبيين الذين استقبلوا السنة الجديدة تحت وابل القصف والاعتداءات الاسرائيلية المتصاعدة في وتيرة يومية.
الاهتمام بالوضع الجنوبي جاء من باب التحذيرات التي اطلقها وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو الذي زار قاعدة ديركيفا في جنوب لبنان حيث اجرى محادثات مع رئيس اركان الجيوش والجنود الفرنسيين المنتشرين ضمن قوة الامم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، وشاركهم العشاء لمناسبة حلول رأس السنة الجديدة. فالوزير الفرنسي الذي يزور لبنان للمرة الثانية خلال شهرين، (كان زاره في تشرين الثاني الماضي متفقداً كتيبة بلاده)، لا يزال على تخوّفه من تصاعد وتيرة المواجهات في الجنوب، ومن إمكان انزلاقها إلى حرب ستؤدي إلى انعكاسات كارثية على لبنان والمنطقة، وربما توقف مهمة "اليونيفيل"، التي "لا مصلحة لأحد في توقّفها" وفق ما جاء في "النهار".
أعاد لوكورنو تأكيد موقف بلاده القلقة على مهمة العناصر الفرنسية ضمن "اليونيفيل"، اذ قال امام تلك العناصر التي شاركته العشاء ان هذه المهمة يمكن ان تصبح خطيرة جداً وان الدرب سيكون مزروعاً بالشكوك في الاسابيع والأيام المقبلة.
يعبّر الكلام الفرنسي المتكرر على لسان لوكورنو أو على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا قبل ذلك ببضعة اسابيع عن قلق كبير من ارتفاع احتمالات دخول لبنان في الحرب مع إسرائيل. ولعل هذا ما يفسر ارتفاع مستوى الاهتمام الفرنسي والحركة الديبلوماسية الكثيفة التي تقوم بها باريس على اكثر من خط، رئاسي عبر الموفد الشخصي للرئيس ايمانويل ماكرون، الوزير السابق جان - ايف لودريان، وأمني عبر زيارات متعددة لمسؤولين عسكريين او مخابراتيين تنقّلوا بين بيروت وتل أبيب في الآونة الاخيرة في دور وُصف بالوساطة لفتح قنوات تفاوض حول تنفيذ القرار الدولي 1701، لم تحقق اي خرق او تقدم بعد باستثناء ابقاء الوضع تحت السيطرة، رغم تفلّت الجانبين الاسرائيلي من جهة و"حزب الله" من جهة اخرى عن قواعد الاشتباك المعهودة بينهما.
لم يتلقف لبنان الرسمي بجدية التحذيرات الفرنسية، ولم يتم التعامل معها على هذا الاساس. لكن مصادر سياسية مراقبة لم تخفِ خشيتها من الخفّة في التعاطي الداخلي معها، علماً ان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي عاد مساء امس من لندن حيث امضى اجازة الأعياد مع عائلته، كان تلقّى اتصالاً من لوكورنو خلال وجوده في لبنان تشاورا فيه بالأوضاع في الجنوب. وقالت ان الكلام الفرنسي واضح ومعبّر جداً ويؤشر إلى ان احتمالات وقوع الحرب باتت اكبر وعلى مسافة أيام وأسابيع. لا تقرأ المصادر في الكلام الفرنسي رغبة أو تمهيداً لسحب العناصر الفرنسية العاملة في الجنوب، بل ترى فيه رسالتين: احداهما للجانب اللبناني وفيها تحذير عالي النبرة للمسؤولين ولا سيما لقائد الجيش العماد جوزف عون الذي التقاه لوكورنو مرتين، ودعوة متكررة إلى ضرورة التنبه وضبط النفس لعدم الانجرار وراء الاستدراج الاسرائيلي، خصوصاً ان لاسرائيل اليوم مصلحة في فتح الجبهة الجنوبية والانقضاض على الحزب. اما الرسالة الثانية فموجهة إلى الجنود الفرنسيين لدعوتهم إلى أقصى درجات الحيطة والجهوزية لما يمكن ان تحمله الايام والأسابيع القليلة المقبلة من تطورات غير حميدة.
وترى المصادر ان الكلام الفرنسي لا يأتي من فراغ بل يستند إلى المعطيات القائمة نتيجة الاتصالات المستمرة بين باريس وتل ابيب، حيث تقوم باريس بدور وساطة مع "حزب الله"، نظراً إلى العلاقات الودية التي تربطها بالحزب رغم التباين حيال الموقف الفرنسي من حرب غزة.
وتتزامن تحذيرات لوكورنو مع تقرير صدر في صحيفة "الغارديان" البريطانية يعتبر ان حرب غزة ليست سوى البداية وان أخطر نقطة اشتعال هي الحدود الشمالية لاسرائيل، وهناك اكثر من سبب للاعتقاد بأن التصعيد الذي كان مضبوطاً بفعل ضغط أميركي وغربي اصبح الآن يشكل خطراً حقيقياً للغاية، وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائه به بوقف دائم لإطلاق النار في غزة.
وفي موازاة الحراك الفرنسي، علمت "النهار" ان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الامنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل سيزور بيروت ويلتقي ميقاتي السبت المقبل في السرايا في اطار التحرك الأوروبي للحد من التصعيد الحاصل جنوباً.