إثر قيام إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، توقع العديد من المراقبين أن يعمد حزب الله إلى الرد على العملية الإسرائيلية بقوة تتجاوز مستوى المناوشات التي سادت منذ يوم الثامن من أكتوبر الماضي.
وطوال الساعات التي أعقبت عملية الاغتيال، ساد مناخ ثقيل في مختلف أنحاء لبنان في انتظار ما يمكن أن يكون عليه رد حزب الله على الضربة الإسرائيلية في عقر داره.
لكن بعد أن ألقى الأمين العام للحزب حسن نصر الله ليلة الأربعاء خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني قرب مطار بغداد، فُهم من الكلمة "ألا جديد تحت الشمس"، وأن حزب الله لن يذهب إلى توسيع الحرب مع إسرائيل، وأن لا حرب مفتوحة في الأفق.
فعلى الرغم من قوله إن "جريمة اغتيال العاروري لن تمر من دون عقاب وبيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي"، فإنه استبق الموقف المنتظر منه قائلا إن "ما حصل بالأمس خطير جدا سيما أن الاستهداف حصل في الضاحية الجنوبية، ونحن الآن نقاتل في الجبهة بحسابات مضبوطة، وندفع ثمنا باهظا من أرواح شبابنا، ولذلك إذا فكر الإسرائيلي بشن حرب على لبنان عندها سيكون قتالنا بلا ضوابط وبلا سقوف".
كان واضحا من هذا الكلام أن قرار المواجهة المضبوطة ضمن سقوف منخفضة مع الجيش الإسرائيلي في المقلب الآخر من الحدود لا يزال ساري المفعول، علما أن إسرائيل أطاحت قواعد الاشتباك التي سرت بين الطرفين منذ انتهاء حرب يوليو 2000، من خلال عملية اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية المعتبرة معقل حزب الله وقلعته الشعبية والأمنية.
وسبق لإسرائيل أن رفعت من مستوى المواجهة في الجنوب اللبناني بتوجيه ضربات كبيرة تسببت حتى الآن بسقوط أكثر من 145 مقاتلا من حزب الله، وتدمير العشرات من المنازل والمربعات السكنية في معظم القرى الحدودية المتاخمة لإسرائيل، كما أنها وسعت نطاق ضرباتها لتصل إلى عمق 40 كيلومتر من الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
بهذا المعنى فشل حزب الله في تطبيق نظرية مساندة قطاع غزة من جبهة لبنان (وفق مفهوم "وحدة الساحات")، وأدت مبادرته بفتح جبهة مساندة إلى كشف الهوامش الضيقة التي يتحرك من ضمنها، وذلك على قاعدة مفادها أن مركز القرار الفعلي ليس في بيروت، بل في طهران التي بات من الواضح أنها تخوض مناوشات منخفضة الوتيرة ضد الإسرائيليين والأميركيين عبر أذرعها في الإقليم، وحزب الله أبرزها.
من هنا بدا من خطاب نصر الله أن محتواه تبريري أكثر مما هو تهويلي أو تهديدي، لا بل إنه كان أقرب ما يكون في العمق محاولة لتجنب الصعود على شجرة التصعيد في توقيت سيئ له وللمحور الذي ينتمي إليه، فمستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين قادم إلى لبنان بنهاية الأسبوع الجاري، حاملا معه مشروعا أميركيا متكاملا لإطلاق جولة مفاوضات جديدة لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل على غرار ترسيم الحدود البحرية الذي تم قبل عامين بمشاركة حزب الله وموافقته، وأهم ما يتضمنه المشروع الذي سيحمله هوكستين في جعبته اقتراح حل لقضية مزارع شبعا المحتلة على أساس أن تنسحب القوات الإسرائيلية منها كليا، ليتم بعدها نقل ولايتها إلى الأمم المتحدة باعتبارها أرضا متنازع عليها تحتاج إلى ترسيم متعدد الطرف بين لبنان سوريا وإسرائيل.
بطبيعة الحال، عكس موقف حزب الله غداة اغتيال العاروري محاولة استباقية لملاقاة مناخ تسوية يلوح في الأفق بين الأميركيين والإيرانيين (مناقض للخطاب الرسمي من الطرفين)، ويقوم هذا المناخ على تفاهم بعدم توسيع الحرب في غزة إلى جبهات أخرى، وكانت أولى بوادر مناخ التسوية تأمين انضباط الفصائل الإيرانية بشكل عام، وسحب حاملة الطائرات جيرالد فورد من البحر المتوسط، لقاء مباشرة الإيرانيين سحب القسم الأكبر من الفصائل المتمركزة عند الحدود العراقية السورية كبادرة على خفض التوتر.
خلاصة القول أن مفهوم "وحدة الساحات" من طهران إلى غزة مرورا بسوريا ولبنان يواجه عقبات كبيرة، ويترنح تحت وطأة الحقائق الميدانية والرغبة في إنتاج تسويات مرحلية بين الغرب وإيران، لكن هذا لا يمنع أن تُرتكب أخطاء قاتلة تؤدي إلى إشعال فتيل حرب إقليمية لا تريدها معظم الأطراف.