تضرب موجات برد وصقيع غير مسبوقة المحافظات الجبلية في شمال اليمن، مما يترتب عليه تدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وإتلاف المحاصيل والأشجار. وفي الوقت الذي تكبد المزارعون فيه خسائر فادحة، قفزت أسعار بعض المنتجات الزراعية في السوق المحلية لمستويات قياسية.
وقال مزارعون في محافظة عمران على بعد 80 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة صنعاء إن معظم مديريات المحافظة الزراعية تتعرض لموجات برد وصقيع على نحو متلاحق وبصورة غير مسبوقة منذ الأيام العشرة الأخيرة من ديسمبر كانون الأول الماضي وحتى الآن.
وأفاد المزارع عبد المجيد الخرافي من منطقة خارف في عمران "لرويترز" أن موجة الصقيع تسببت في تلف المحاصيل الزراعية الرئيسية مثل البطاطا والبندورة (الطماطم) والبصل والقات. وبالرغم من أن هذه الأصناف الغذائية تزرع في فصل الشتاء، إلا أن البرد الشديد والصقيع غير المسبوق هذا العام تسببا في ما يسميه السكان المحليون "ضريب"، وهو مصطلح عامي يعني تلف وفساد المحاصيل الزراعية.
وأشار إلى أنهم يرون لأول مرة طبقات الثلج على أوراق الخضروات كالكروم والقرنبيط والبطاطا والكوسة والباذنجان والبسباس والخيار.
* خطر التغير المناخي
لا تختلف الأوضاع في عمران عن مدن ومحافظات يمنية أخرى خاصة الواقعة في شمال البلاد ومنها صنعاء والمحافظتان المجاورتان لها ذمار وعمران، حيث تأثرت المحاصيل والثروة الحيوانية بشدة في كل هذه المناطق.
وفي العاصمة صنعاء ومناطقها وريفها، لم يكن الوضع أفضل من المناطق الأخرى، حيث ضرب الصقيع معظم مديريات المحافظة التي تضم أعلى سلسلة جبلية وأعلى قمة في الجزيرة العربية وهي قمة جبل النبي شعيب بمديرية بني مطر، حسبما قال عزام أحمد صالح وهو مزارع ومالك أرض بمنطقة الرحبة في ضواحي صنعاء لرويترز.
وضرب الصقيع معظم مديريات طوق العاصمة مثل أرحب وبني حشيش وهمدان المشهورة بإنتاج أجود أصناف القات والتفاح والخوخ واللوزيات، كما ضرب مديريات سنحان وخولان المشهورة بأشجار العنب ومحاصيل التوت والفراولة واليقطين والطماطم والبسباس.
وانعكس تأثير ذلك التطرف المناخي على الأسعار التي زادت لعدة أمثال.
* ارتفاع الأسعار
تزامن ذلك مع ارتفاعات كبيرة في أسعار الخضروات في الأسواق المحلية نتيجة لنقص المعروض مع استمرار الصقيع.
وقال متعاملون وسكان في العاصمة صنعاء ومحافظة ذمار على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة صنعاء لرويترز إن الصقيع تسبب في رفع أسعار المحاصيل الزراعية إلى مستويات عالية بنسب متفاوتة من مثلين إلى ثلاثة وأربعة أمثال، فيما تضررت أشجار العنب والخوخ والتفاح والقات الذي تضاعفت أسعاره لأكثر من أربعة أمثال لشح المعروض في الأسواق.
وقال الباحث والصحافي المتخصص بالشأن الاقتصادي محمد القارني من سكان صنعاء لرويترز، أن المزارعين في محافظات عمران وصنعاء وذمار الخاضعة لسيطرة الحوثيين تكبدوا خسائر مالية كبيرة بملايين الريالات.
وأضاف أن موجات الصقيع تسببت فيما وصفه بأنه "كارثة كبيرة" لنحو ربع سكان اليمن البالغ عددهم الإجمالي 32.6 مليون نسمة.
ومضى قائلا إن آلاف المزارعين أصبحوا فقراء مديونيين بسبب تلف محاصيلهم الزراعية بسبب الصقيع.
وأكد مركز الأرصاد الجوية الحكومي اليوم الاثنين استمرار الصقيع في بعض المحافظات اليمنية خاصة الجبلية (صنعاء وعمران وذمار وصعدة والبيضاء) خلال الأيام المقبلة.
وأكد الأكاديمي المتخصص في هيئة البحوث سمير عبد الرحمن لرويترز، أن تردي الأوضاع العامة في اليمن، وتفاقم خسائر القطاع الزراعي، يمنعان المزارعين من استخدام أدوات الحماية التي تحد من تأثيرات موجة البرد القارس والصقيع خلال فصل الشتاء. ومن بين أدوات الحماية استخدام الأغطية البلاستيكية.
ويعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد اليمني في إنتاج الغذاء وتشغيل العمالة، حيث يسهم في تكوين الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 16 بالمائة و19 بالمائة، بحسب بيانات حديثة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فضلا عن أنه مصدر الدخل الرئيسي بصورة مباشرة وغير مباشرة لنسبة كبيرة من السكان.
ويضيف الصقيع المزيد من الألم لليمنيين الذي يعانون من تبعات حرب أهلية مستمرة منذ سنوات.
وتسيطر حركة الحوثي على مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة في شمال اليمن بعد مرور نحو عقد على الحرب التي واجهت في أثنائها تحالفا تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة.
وشنت طائرات حربية وسفن وغواصات أميركية وبريطانية في الأسبوع الماضي عشرات الضربات الجوية على أنحاء متفرقة في اليمن انتقاما من هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر تقول الحركة المتحالفة مع إيران إنها رد على الهجوم الإسرائيلي على غزة.