برغم كلّ ما يُقال عن مساعٍ ومبادرات خارجية حول لبنان لمساعدته في إنجاز ملفاته الداخلية وفي مقدّمها الملف الرئاسي، فلا شيء في الأفق حتى الآن، وما استخلصته "الجمهورية" من الأوساط السياسية المعنية، يؤكّد أنّ تلك الملفّات لا مكان لها في أجندة أولويات الدول في الوقت الراهن، فالأولوية هي لتطورات المنطقة وارتدادات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة".
وعلى ما يقول مسؤول كبير رداً على سؤال عن المساعي والوساطات الخارجية لتحريك الملف الرئاسي: "لو كانت ثمّة مبادرات جدّية او كما سمعنا عاجلة، حول الملف الرئاسي، لكانت على الأقل ظهرت ملامحها او ممهداتها. وفي مطلق الاحوال، ليس علينا سوى ان ننتظر، ونحن جاهزون للتفاعل الإيجابي مع اي مبادرة اياً كان مصدرها".
وتلفت في هذا السياق، قراءة متشائمة للصورة الرئاسية، حيث استبعد مصدر سياسي وسطي حصول انفراج رئاسي في المدى المنظور. وقال لـ"الجمهورية": "أخشى أنّ الملف الرئاسي قد رُحِّل الى ما بعد الحرب، و"خلّي عباقرة التعطيل يفرحوا".
وحول المبادرات الخارجية وما حُكي عن زيارة محتملة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان قال: "انا اعرف السيد لودريان شخصياً، فهو شخص جدّي وصادق في مسعاه، وليس لديّ علم بأن كان سيأتي. ولكن الآن الأمر مختلف، حيث انّ كل الوقائع تؤكّد أنّ الخارج، كلّ الخارج بلا استثناء، لا فرق عنده الآن إنْ حُسم الملف الرئاسي أو لم يُحسم، وحتى ولو حصلت مبادرات جديدة تجاه لبنان، فإنّ كلّ ما يُراد من لبنان في هذا الوقت، هو تبريد الجبهة الجنوبية، وحمل "حزب الله" على وقف عمليّاته ضدّ الجيش الاسرائيلي على الحدود، خوفاً من اتساع دائرة الحرب. وهذا ما اكّد عليه كل الموفدين آموس هوكشتاين وغيره، الذين زاروا لبنان. هم خائفون بالدرجة الاولى على اسرائيل وعلى مصالحهم".
واعرب المصدر عينه عن مخاوف كبيرة من اشتعال الجبهة الجنوبية، وقال: "أشعر أنّ الحرب قائمة وقد لا تتأخّر، ربما يعجّل بها خطأ في الحسابات او خطأ في صاروخ. ومن هنا، كنت وما زلت اؤكّد على "حزب الله" الانتباه من الإنجرار الى حرب".
ورداً على سؤال قال: "المنطقة دخلت في مرحلة تحولات خطيرة، وعملية 7 تشرين الاول/ أكتوبر فتحت على واقع جديد، واضح من التطورات العسكرية والسياسية التي تحصل انّه سيستغرق بعض الوقت، ولكن في النهاية ستتأثر به كل دول المنطقة؛ اسرائيل وغيرها".
في موازاة ذلك، وعشية ما تردّد عن اجتماع ستعقده مجموعة الدول الخماسية خلال الاسبوعين المقبلين، لإعادة اطلاق الحراك الرئاسي، علمت "الجمهورية" من مصادر ديبلوماسية موثوقة، "انّ السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو بصدد التحضير لإجتماع قريب لسفراء الخماسية في بيروت تمهيداً لإجتماع مندوبيها على مستوى اعلى في عاصمة من عواصم اللجنة، سواءً باريس او الرياض او الدوحة او القاهرة، يكون تمهيدياً لعودة الموفد لودريان حاملاً توجّهات اللجنة المركزية".
واضافت المصادر: "انّ هذا الحراك المستجد يأتي لإعادة إحياء مسار الاستحقاق الرئاسي، بعدما طغى الوضع الاقليمي المتفجّر عليه، وعليه ستبني فرنسا حركتها بالتنسيق مع اركان الخماسية على محاولة فصل المسارين الرئاسي اللبناني عن الإقليمي، حتى لا تزداد تعقيدات الملفين اذا ما بقيا متصلين".
واشارت الى انّ مندوبي الخماسية؛ السعودي نزار العلولا، القطري محمد الخليفي او جاسم بن فهد، والفرنسي جان ايف لودريان، يعرفون الملف اللبناني تفصيلاً، وهم جاهزون للتحرّك مجدداً نحو بيروت بعد انتهاء اجتماع الخماسية، الذي لم يُحدّد زمانه ولا مكانه بعد، بإنتظار جوجلة بعض الافكار التي يتولاها السفراء في بيروت.
وبالتزامن، برز تحرّك لافت لسفراء الخماسية في لبنان، حيث عُقد في دارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري امس، لقاء بينه وبين السفير الفرنسي، وبحسب المعلومات الموزعة فإنّ "الجانبين بحثا في أبرز التطورات السياسية التي تشهدها الساحتين اللبنانية والإقليمية، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لإنجاز الإستحقاق الرئاسي بأسرع وقت، ليستطيع لبنان الخروج من أزماته المختلفة، في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة".
كما عقد السفير البخاري في دارته في اليرزة لقاءً مع السفير المصري علاء موسى. وناقش الجانبان "آخر تطورات الأحداث الحاصلة في لبنان والمنطقة، والتطورات التي تعيشها الاراضي المحتلة، وضرورة إنجاز الإستحقاق الرئاسي في لبنان في أسرع وقت ممكن، في ظلّ المستجدات المتلاحقة الحاصلة في المنطقة، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وفي سياق رئاسي متصل، ابلغ عضو "اللقاء النيابي المستقل" النائب شربل مسعد الى "الجمهورية" قوله: "انّ اللقاء يواصل لقاءاته اسبوعياً لبلورة تصور حول الاستحقاق الرئاسي عدا مناقشة القضايا التشريعية والقضايا النيابية المطروحة امام المجلس النيابي، بهدف التوصل الى قواسم مشتركة حول كل القضايا وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي. وفي الاسبوع المقبل، سيُعقد الاجتماع لدى النائب نعمة افرام لمتابعة البحث. والاتصالات يقوم بها النواب فرادى مع نواب آخرين لأنّ لكل نائب منا هامشاً للتحرك وخصوصيات".
واضاف: "حتى الان، لا اسم مشتركاً بيننا، لكن هناك مواصفات مشتركة للرئيس العتيد، وإجماع على ضرورة عقد جلسات انتخاب مفتوحة لإنتخاب الرئيس وتطبيق الدستور، و"لبننة" الاستحقاق بدل انتظار المبادرات الخارجية التي لم تصل الى نتيجة حتى الآن. ولتأخذ اللعبة الديموقراطية الداخلية مجراها من دون انتظار إملاءات خارجية، في ظل المشكلات المعيشية والاقتصادية السياسية والاقليمية القائمة".
وفي وقت تواصلت فيه العمليّات الحربيّة على الجبهة الجنوبيّة، غلّبت تقديرات الخبراء والمحللين فرضية الحرب، وتقاطعت عند التحذير من اسابيع حرجة مفتوحة على كل الاحتمالات، ربطاً بالتهديدات الاسرائيلية، وآخرها ما صدر عن رئيس الأركان الاسرائيلي هرتسي هاليفي من "أنّ احتمال اندلاع حرب على الحدود الشمالية مع لبنان صار أعلى بكثير مما كان عليه في الماضي".
وفي هذا السياق، كشفت مصادر موثوقة، انّ تحذيرات نقلها سفير دولة اوروبية كبرى الى جهات لبنانية رسمية، من انّ "الحرب تقترب من لبنان"، منبّهاً ممّا سماها "المخاوف المتزايدة" من خروج الامور عن السيطرة".
وبحسب معلومات المصادر، فإنّ السفير المذكور، اشار الى "انّ المداخلات الاميركية والفرنسية حالت دون توسّع نطاق الحرب في اتجاه لبنان، فباريس بذلت جهوداً كبرى مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي لمنع اندلاع مواجهة قاسية وواسعة بين اسرائيل و"حزب الله"، وواشنطن، وهذا ليس سراً، مارست ضغوطاً كبيرة على اسرائيل وألزمتها بعدم فتح الحرب مع لبنان. ووزير الخارجية انتوني بلينكن في زيارته الاخيرة الى تل ابيب، انتزع من رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو موافقته على عدم فتح الحرب، لكننا بدأنا نشهد تصاعداً خطيراً، وتهديدات واستعدادات للمواجهة من جانب "حزب الله" واسرائيل".