في شبه جزيرة سيناء شمال شرقي مصر، وفي مساء الإثنين، 16 كانون الثاني/ يناير من عام 2024، تحركت مجموعة من المسلحين بحوزتها 174 كيلوغراماً من المخدرات لتصل إلى الحدود مع إسرائيل، وتحديداً معبر العوجة، المعروف في إسرائيل باسم نتسانا، والذي يبعد نحو 40 كيلومترا عن معبر رفح.
كان هدف هذه المجموعة المسلحة هو تهريب المخدرات من مصر إلى إسرائيل، وفق الرواية المصرية لما حدث، والتي أضافت أنه وقع تبادل لإطلاق النار، وألقى الجيش المصري القبض على ستة من المهربين، وقُتل شخص واحد، لم يحدد الجيش إن كان مهربا أم أحد عناصره.
وجاءت رواية الجيش الإسرائيلي مشابهة إلى حد كبير، فبحسب هذه الرواية، وصل 20 شخصا من الأراضي المصرية للمنطقة الحدودية بالقرب من معبر نتسانا في ساعة متأخرة من ليل الإثنين، وكان بعضهم مسلحأ، وأطلق الجنود الإسرائيليون النار نحوهم وأوقعوا إصابات.
وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، أصيبت مجندة إسرائيلية في هذه العملية التي "يرجح كونها محاولة لتهريب المخدرات".
لكن وعبر منصات التواصل الإجتماعي، شكك البعض في الروايتين المصرية والإسرائيلية، وجرت مقارنة بين عملية الإثنين وما قام به المجند المصري محمد صلاح، منتصف العام الماضي، عندما اخترق السياج الحدودي مع إسرائيل وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين. فحينها قال الجيش المصري إن ما حدث كان مطاردة لعناصر تهريب المخدرات، وهو ما تعارض مع الرواية الإسرائيلية التي أشارت إلى أنها عملية قام بها عنصر أمن مصري ضد جنوده.
ورغم احتفاء البعض على مواقع التواصل بما حدث يوم الإثنين، وربطه بالوضع الحالي في قطاع غزة، فإن المؤشرات بحسب محللين مصريين تقول إن ما حدث كان بالفعل إحدى عمليات تهريب المخدرات المتكررة بين مصر وإسرائيلل.
تمتد شبه جزيرة سيناء على مساحة 61 ألف كيلومتر مربع، أغلب هذه المساحة هي صحارى قاسية تتنوع تضاريسها بين سهول في الشمال، وإقليم للهضاب، وإقليم آخر من مرتفعات جبلية.
وتشير التقديرات إلى أن نسبة المساحة التي تم تنميتها زراعياً وسكنياً في سيناء أقل من 10 في المئة.
"لهذا السبب تنتشر مزارع المخدرات وخاصة مخدر 'البانجو' في صحارى سيناء، فالمنطقة شاسعة ولا تحتاج زراعة المخدرات لمياه كثيرة، كما أنها تجارة مربحة خاصة عند بيع المخدرات في إسرائيل"، حسب العميد سمير راغب، الخبير العسكري المصري ورئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية.
ويضيف راغب لبي بي سي أن جزءا كبيرا من المنطقة الصحراوية في شمال سيناء، امتدادا من شرق قناة السويس وحتى الحدود مع إسرائيل، مناطق غير صالحة للأنشطة الزراعية ولا توجد بها مياه كافية ولهذا تنشط بها زراعة المخدرات.
ويقول "رغم تنفيذ الجيش المصري حملات كبيرة ضد هذه المزارع إلا أنه لم يقضِ عليها تماما، فالمزارع توجد فوق سفوح الجبال أو في وديان عميقة، ما يجعل من الصعب إزالتها بشكل كامل".
ويرى راغب أن تجار المخدرات بسيناء يفضلون بيعها للجانب الإسرائيلي؛ إذ يعد هذا الخيار "أكثر أمنا" لهم، مستطردا "أن بيعها في مصر يعني أن عليهم تجاوز عدد لانهائي من نقاط التفتيش، قبل وبعد عبورهم من منطقة قناة السويس، أما الجانب الإسرائيلي فنحن نتحدث عن نحو 245 كيلومترا، وهو طول السياج الحدودي بين مصر وإسرائيل، كما أن أي مهرب للمخدرات في مصر لا بد أن يستقبل منه شخص آخر المخدرات من الجانب الإسرائيلي".
الجانب الإسرائيلي
أعلن الجيش الإسرائيلي، في شباط/ فبراير من العام الماضي، إحباط محاولة لتهريب مخدرات بقيمة 13 مليون دولار قادمة من مصر، حيث تمت مصادرة سيارة قرب الحدود يقودها أحد الإسرائيليين البدو وعلى متنها 120 كيلوغراماً من مخدر الحشيش والهيروين والكوكايين.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن عمليات تهريب المخدرات وصلت ذروتها عبر الحدود مع مصر عام 2019 ، حين سجلت 726 عملية تهريب، ولكنها بدأت في التناقص بعد ذلك خلال عامي 2020 و2021 قبل أن تعاود الارتفاع مرة أخرى عام 2022 حيث سجلت 575 عملية تهريب للمخدرات عبر الحدود مع مصر ذلك عام.
يوضح العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي، غريشا يعقوبوفيتش، أن السبب وراء ذلك "هو أن عمليات التهريب أصبحت أكثر تعقيدا عبر الحدود بين مصر وإسرائيل".
ويقول يعقوبوفيتش إن الحدود بين الدولتين تمتد لعشرات الكيلومترات، ويدرس المهربون فيها نقاط ضعف الجيشين المصري والإسرائيلي وروتين الجنود وأفضل مناطق للتهريب، مضيفا أن على الجانب الإسرائيلي، هناك مواطنون إسرائيليون يتسلمون المخدرات من المهربين المصريين ويقومون ببيعها بعد ذلك في السوق الإسرائيلي.
ويرى يعقوبوفيتش أنه على الرغم من بناء إسرائيل جدارا على طول الحدود مع مصر، إلا أن عمليات التهريب لا تزال مستمرة. ويقول "يمكن للجيش إحباط هذه العمليات قدر الإمكان لكنه لا يستطيع القضاء عليها تماما كحال تهريب المخدرات بين الأردن وإسرائيل أو بين الولايات المتحدة والمكسيك".