يعتبر لقاء السفيرين السعودي وليد بخاري والإيراني مجتبى أماني في الخيمة العربية في مقرّ السفير السعودي في اليرزة هو الثاني على صعيد السفراء بين البلدين في لبنان بعد عشاء الدبلوماسية المستدامة الذي أقامه السفير البخاري في فندق الفينيسيا في حزيران الفائت، بعد قرابة الثلاثة اشهر على اتفاق بكين والذي استضافه ضمن تقليد سنوي محتفيا بأكثر من 50 رئيس بعثة وممثل لمنظمات دولية وكان في مقدمهم السفير الايراني مجتبى أماني والقائم بأعمال السفارة السورية علي دغمان وفق ما ورد في "اللواء".
يعكس هذا اللقاء الثاني ثلاثة امور جوهرية في العلاقة مع لبنان أولا، وفي مقاربة الوضع في غزّة والعلاقات الثنائية السعودية الايرانية.
لنبدأ بالعلاقات الثنائية، يعكس لقاء الخيمة في مقر السفير بخاري في اليرزة مسألة تدحض فكرة أن الاتفاق السعودي الايراني وصل الى طريق مسدود، وينفي قطعا أنه يوجد طرف ينحو باتجاه توسيع العلاقات فيما يمتنع الطرف الآخر. ويعكس هذا اللقاء بحسب أوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع حرص الجانبين السعودي والايراني على إتمام اتفاق بكين والتأكيد على العلاقات الايجابية والمستمرة بتحسنها بين الرياض وطهران.
ثانيا، يأتي اللقاء في لحظة اقليمية ودولية متفجّرة، وكان طبيعيا أن يحضر الواقع الاقليمي والدّولي على طاولة البحث وتحديدا الحرب على غزّة وهي موضوع اهتمام مشترك بين البلدين. خاضت المملكة العربية السعودية العديد من المبادرات الدبلوماسية في هذا الشأن فقد استضافت الرياض اجتماعا طارئا لوزراء خارجية منظمة التعاون الاسلامي في جدّة وذلك في 17 تشرين الاول\اكتوبر الفائت، ثمّ استضافت المملكة قمّتين طارئتين بشأن العدوان الاسرائيلي على غزّة في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الاسلامي في كانون الأول ديسمبر الفائت، وكذلك ترأس وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وفد وزراء دول عربية واسلامية في جولة على العواصم تهدف الى وقف العدوان على غزة شملت بكين وواشنطن، والقى كلمة في اجتماع حالة حقوق الانسان في فلسطين الى جانب اعضاء اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والاسلامية المشتركة غير العادية وعدد من الدول في مدينة جنيف السويسرية.
من جهته، شدّد الأمير محمّد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي أمام اعضاء مجلس الشورى في الخطاب الملكي السنوي الذي القاه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مطلع العام أن المملكة ماضية على ايجاد حراك عربي واسلامي مشترك لوقف العدوان على غزّة.
في الوقت عينه، الى جانب الحراك المكوكي لوزير الخارجية الإيراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان فيي شأن غزّة، برزت في الأسبوع الأخير حركة لافتة للسفير الايراني في بيروت مجتبى أماني من خلال تكثيفه للقاءات الدبلوماسية مع السفيرين الفرنسي والسعودي وساهما وكذلك ظهوره في مقابلة مميزة جدا عبر شاشة الـ"أو تي في" اللبنانية المقربة من التيار الوطني الحر حيث وجّه العديد من الرسائل ولعلّ أبرزها تلك المضمرة الى الشارع المسيحي بأن إيران لن لا يمكنها أن تتخطى المسيحيين في أي استحقاق قادم وخصوصا في الاستحقاق الرئاسي. وعادة ما يظهر السفير الايراني على شاشتين رئيسيتين إما تلفزيون المنار التابع لـ"حزب الله" أو قناة "الميادين" المقربة من إيران.
اتفق السفيران بخاري وأماني،بحسب "اللواء"، على وجهة نظر موحدة في ما يخص ضرورة وقف الحرب في غزّة، والحؤول دون توسّعها وبأن استمرار العدوان سيؤدي الى توسع الحرب الى بلدان أخرى في المنطقة، وليست الحرب الدائرة في جنوب لبنان سوى ارتداد للحرب على غزّة والأمر سيان في سوريا والعراق واليمن، وثمة دفع اسلامي يقوده البلدان عبر حراكهما الدبلوماسي من أجل إيقاف الحرب.
وبالوصول الى الاستحقاق الرئاسي اللبناني، يبدو وبحسب أوساط واسعة الاطلاع على اجتماع السفيرين أن ثمة توجّه جديد وأكثر واقعية وعقلانية سوف تنتهجه اللجنة الخماسية الدولية المعنية بلبنان في مقاربة الملف اللبناني. وفي المعلومات أن دول الخماسية وصلت الى مرحلة فصلت فيها بين الملف الرئاسي اللبناني وبين المطالب المشترطة على اللبنانيين، وبدأت التصرف في الملف الرئاسي بشكل مستقل أي بعيدا من المطالبة بنزع سلاح حزب الله ودوره في الدّاخل اللبناني.
في المرحلة السابقة، سادت مقاربات مختلفة بين دول الخماسيّة، حيث طرحت فرنسا تسوية رئاسية توازن بين الأطراف اللبنانيين، فيما بعد رفضت الدول الأخرى المبادرة الفرنسية وراحت كل دولة تضع شروطها وتربط الرئاسة بها. في هذه المرحلة اقتنعت هذه الدول بمسألة التسوية الرئاسية وليس فرض رئيس. في هذا السياق، تقوم المملكة العربية السعودية عبر سفيرها وليد البخاري بحراك دبلوماسي حثيث يبدو للمعنيين أكثر ميلا الى تسوية من دون اغفال المطالب السعودية وخصوصا لجهة رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات تعمل على الاصلاحات الجذرية.
وتشير الأوساط الواسعة الاطلاع على مناخ اجتماع خيمة اليرزة أن التغيير في المقاربة لا يعني بأن الانتخابات الرئاسية وشيكة وأنها سوف تحصل غدا، ولكنّها تعتبر عاملا إيجابيا يصبّ في مصلحة إعادة تحريك هذا الملفّ. وتشير الأوساط أن الخلل الرئيسي في بنية الخماسية تمثل سابقا في إبعاد إيران عنها، من هنا وصل عملها دوما الى حائط مسدود في الملف الرئاسي كون إيران قادرة على التخاطب مع شريحة مؤثرة من اللبنانيين. بعد اجتماع السفيرين بخاري وأماني، يمكن القول بأن الاجتماع المقبل لـ"الخماسية" سيشهد حضورا للطيف الإيراني، وستكون وجهة النظر الايرانية ومقاربتها حاضرة. أما وجهة نظر إيران فهي بحسب أوساط واسعة الاطلاع على المناخ الإيراني ضرورة التوجه نحو تسوية رئاسية من قبل دول المنطقة، ما يجعل الظروف مؤاتية لتوافق لبناني لبناني والتسوية ستكون خيار لبناني بدعم اقليمي ودولي. هذا يعني عمليا أن بعض النواب المترددين سابقا والذين كانوا ينتظرون ضوءا أخضر ما للتصويت سوف يكون لديهم الاستعداد للانتخاب هذه المرة تبعا للتسوية التي ستحصل.