آثار الارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بكوفيد-19 التي أعقبت ظهور متحوِّر دلتا شديد العدوى مخاوف صحية جديدة، فضلاً عن تساؤلات بشأن سلامة وسرعة إعادة فتح الاقتصاد، حتى في الأماكن التي ترتفع فيها معدلات التطعيم، مثل المملكة المتحدة.
وهنا، يجيب سام فاضلي- أحد المساهمين في "رأي بلومبرغ"، الذي يغطي قطاع الأدوية في "بلومبرغ إنتليجنس"- عن أسئلة متعلِّقة بمتحوِّر دلتا، والتهديد المحتمل الناتج عنه.
1- تسبَّب متحوِّر دلتا في زيادة طفيفة في حالات الإصابة بكوفيد، خاصة بين غير الملقحين، وأولئك الذين تلقوا جرعات اللقاح أيضاً. أليس صحيحاً أنَّ اللقاحات توفِّر حماية جيدة، حتى ضد هذا المتحوِّر؟
حسناً، الأمر معقد جرَّاء المسائل المتعلِّقة بالتعريفات، فنحن ندرك أنَّ اللقاحات لم تكن قط فعَّالة بنسبة 100% ضد العدوى حتى قبل متحوِّر دلتا.
في تجارب لقاحات "فايزر–بيونتيك"، و"موديرنا"، على سبيل المثال، رأينا فعالية تزيد عن 90%، مما يعني أنَّ عدداً قليلاً جداً من الأشخاص ثبُتت إصابتهم بالفيروس. لكن الأمر المهم هنا، هو أنَّ الأشخاص الذين تلقّوا اللقاح في هذه التجارب كانت نسبة حمايتهم من العدوى الشديدة أو دخول المستشفيات تعادل 100%.
متحوِّر دلتا، كما سنتناقش الآن، له بعض الخصائص التي تمنحه فرصة أفضل للتسبب في العدوى، مما يعني أنَّه قادر على الهرب من الحماية الأولى التي توفِّرها الأجسام المضادة. لكنَّ الأشخاص المطعَّمين ما يزالوا أقل عرضة بكثير لخطر الإصابة بعدوى شديدة، أو إذا حدث ذلك؛ فإنَّ الأعراض التي تظهر عليهم تتلاشى بسرعة أكبر. ومع ذلك، دعونا لا نترك مجالاً للأوهام لتساورنا، فالناس سيظلون يموتون من كوفيد-19 حتى لو تلقّوا اللقاح، لكنْ بأعداد أقل بكثير مما لو لم يتم تطعيمهم.
2- ما الذي يجعل متحوِّر دلتا يشكِّل هذا التهديد؟ وكيف يعمل؟
لقد طوَّر متحوِّر دلتا بعض الطفرات التي تجعله أكثر ضرراً من السلالات الأخرى. فقد أصبح قادراً على إصابة الخلايا بشكل أكبر، ويرجع ذلك جزئياً إلى قدرته على التهرب إلى حدٍّ ما من الأجسام المضادة المكوَّنة داخل أجسام المصابين السابقين، أو المطعَّمين. فبمجرد دخول الخلايا؛ فإنَّ وضعه يكون أفضل للاستنساخ. وهذا الأمر تمَّ تأكيده من خلال وجود كمية أكبر بكثير من الفيروس (الحمل الفيروسي) في مسحات أنف الأشخاص المصابين بمتحوِّر دلتا مقارنةً بتلك المسجَّلة في الموجة الأولى من الوباء.
وقد يأتي ذلك من عملية تسمى "تكوين السينسيتيوم"، إذ تندمج الخلايا المصابة مع نظيراتها الطبيعية. وهذه العملية تساعد الفيروس على الاختباء من الجهاز المناعي والاستنساخ بشكل أسرع.
يبدو أنَّ متحوِّر دلتا يصنع تكتلات أكبر، مما يساعده على خلق نسخ أكثر احتمالاً للعدوى. كما أنَّ الحمل الفيروسي العالي يعني أنَّ الشخص المصاب قد يخرج المزيد من جزيئات الفيروس خلال عملية الشهيق والزفير، مما يمنحه فرصة أفضل للعثور على ضحيته التالية، وكل هذا يؤدي إلى "صلاحية" أعلى بكثير للفيروس.
3- ما هي مخاطر الإصابة بالعدوى الشديدة؟
مرة أخرى، نحن بحاجة إلى أن نكون حذرين للغاية هنا، فالعدوى الشديدة ليست مفاجئة على الإطلاق؛ لأنَّنا نعلم أنَّ اللقاحات غير فعَّالة قط بنسبة 100% ضد العدوى. وتؤدي المتغيرات إلى تآكل فعاليتها بهذا الحال، فالفيروس يصيب الناس من خلال بطانة مساراتهم التنفسية، التي تعرف باسم الأغشية المخاطية. هذه المناطق قد لا تحتوي على العديد من الأجسام المضادة للقاح، مما يمنح الفيروس مجالاً لإصابة جسم الإنسان، لكن العدوى وحدها قد لا تكون سبباً للقلق لدى الأفراد الملقَّحين.
4- ما مدى خطورة حالات العدوى الشديدة التي نراها؟ وما مدى القلق من أنَّ السكان الذين لديهم معدلات تطعيم عالية أيضاً، مثل إسرائيل والمملكة المتحدة، يشهدون المزيد من حالات الإصابة الشديدة؟
لحسن الحظ، نحن لا نشهد طفرة مرضية، وهو ما يعني أنَّ فعالية اللقاحات ضد الأعراض الشديدة، وحالات دخول المستشفى ما تزال عالية جداً بغضِّ النظر عن المتحوِّر الفردي. وتذكر أنَّه إذا أصيب الأشخاص الذين أخذوا اللقاح بالعدوى؛ فإنَّ جهازهم المناعي سيستجيب، وستظهر بالفعل بعض الأعراض التي اعتدنا عليها في حالات العدوى الأخرى، مثل الصداع، وانسداد الأنف، وآلام العضلات والمفاصل.
من الواضح أنَّ الناس ليسوا متشابهين، فبعضهم ستكون لديه استجابة أقوى بكثير للأجسام المضادة للقاح من غيرهم، وستكون استجابة جهازهم المناعي أيضاً مختلفة، مما يعني وجود أعراض مختلفة لنزلات البرد والإنفلونزا. وبمرور الوقت، قد يؤدي انخفاض معدلات الأجسام المضادة لدى بعض الأشخاص الذين بدأوا باستجابة مناعية أضعف إلى حدوث عدوى خفيفة.
5- هل تشكِّل حالات العدوى الشديدة المعتدلة مصدر قلق؟
هناك مسائل عدَّة تتعلَّق بهذا الأمر، إحداها يتمثَّل في أنَّك إذا أصبت بعدوى خفيفة، فإنَّه بإمكانك نقل العدوى إلى شخص آخر غير محمي، برغم أنَّ الدراسات تظهر أنَّ هذه العدوى تنخفض في الأشخاص الملقَّحين. هناك أيضاً خطر حدوث طفرة فيروسية جديدة، مما يجعل هذا الوضع في النهاية أفضل في إصابة الأشخاص الملقَّحين. ومع ذلك؛ فإنَّ هذا أقل احتمالاً، نظراً لتراجع استنساخ الفيروس، ومدة العدوى بحيث لا يكون لديها الوقت الكافي لتطوير طفرات جديدة.
أحد الأسئلة المهمة هو ما إذا كان الأشخاص الملقَّحون الذين يعانون من عدوى خفيفة لديهم مخاطر الإصابة بكوفيد طويل الأمد نفسها؛ فهذا هو الخطر الوحيد الذي أراه في عالم يتقبَّل عدوى كوفيد المعتدلة كالمعتاد.
6- هل ترتفع مخاطر إصابة شخص ما اعتماداً على اللقاح الذي حصل عليه؟
الكثير من البيانات المتوفِّرة لدينا على هذا الصعيد مأخوذة من الاختبارات المعملية، فهي بإمكانها إيضاح الكثير من الأمور. هذه البيانات تشير إلى أنَّ اللقاحات المعتمدة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) أفضل مما يسمى بلقاحات الفيروسات الغدية، مثل تلك التي توفِّرها "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون".
ويبدو أنَّ بيانات العالم الحقيقي، التي يتمُّ فيها مقارنة المجموعات المتطابقة من الأشخاص الملقَّحين وغير الملقَّحين، تشير حتى الآن إلى أنَّ لقاح "فايزر-بيونتيك" له فعالية أعلى في منع العدوى الخفيفة عن طريق متحوِّر دلتا مقارنةً بلقاح "أسترازينيكا". ويأتي ذلك استناداً إلى البحث المنشور في المملكة المتحدة. كما يُظهر لقاح "فايزر-بيونتيك" فعالية أقل في إسرائيل، وذلك وفقاً لمعلومات صادرة عن وزارة الصحة، لكنَّنا بحاجة إلى المزيد من التفاصيل حتى نتمكَّن من تقييم سبب وجود اختلاف بين المملكة المتحدة وإسرائيل.
أعتقد أيضاً أنَّنا سنجد أنَّ لقاح "جونسون آند جونسون" أقل فعالية ضد العدوى الخفيفة، لكنَّ أنواع التحليلات نفسها تشير إلى أنَّه فعَّال على نحو مماثل ضد العدوى الشديدة، وحالات الدخول إلى المستشفى.
7- ما نوع الاحتياطات التي يجب أن يتخذها الشخص الملقَّح بالكامل في ظلِّ إدراك أنَّ متحوِّر دلتا يشكِّل تهديداً؟
سأخبرك ماذا أفعل، أنا أرتدي قناعين عند الخروج إلى الأماكن العامة، مثل محلات السوبر ماركت، ومراكز التسوق، وهي أماكن لا أدرك فيها موقف الأفراد من التطعيم. إذا كان لدي أصدقاء في الجوار، أتأكد من أنَّني أعرف من تلقَّى اللقاح، ومن لم يتلقاه، وأقرر على هذا الأساس ما إذا كنا سنذهب إلى أماكن مغلقة، أو سنمكث في الهواء الطلق. كما أنَّني ما زلت لا أتناول الطعام داخل المطاعم، وأتجنَّب الحانات والبارات. لقد استقليت طائرة مؤخراً، وارتديت قناعين، وتجنَّبت الأماكن المزدحمة قدر الإمكان.
8- العديد من كبار السن كانوا أوَّل الملقَّحين في الولايات المتحدة، فهل يجب أن نشعر بالقلق تجاه انخفاض مستوى الحماية الذي يوفِّره اللقاح؟، وهل يشكِّل متحوِّر دلتا مخاطر أكبر على هذه الفئة السكانية؟
نحن ندرك أنَّ لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال كانت فعَّالة بالقدر نفسه ضد السلالات السابقة من الفيروس، بصرف النظر عن عمر متلقي اللقاح. كما أنَّ هذه اللقاحات حالت دون حدوث إصابات شديدة بالدرجة نفسها. وما لا نعرفه هو كيف يعمل متحوِّر دلتا مع كبار السن؟ وكيف تتطور مناعتهم بمرور الوقت؟، لذلك يجب توخي الحذر أثناء اكتشاف ذلك.
9- هل حان الوقت لبدء طرح الجرعات التعزيزية ضد متحوِّر دلتا؟
أعتقد أنَّنا بحاجة إلى أن نكون مستعدين لفعل ذلك، نعم، خاصة إذا واصلنا إدارة حياتنا على أساس معدلات الإصابة المعتدلة. ويجب أن نستعد لكلٍّ من دلتا، وبيتا، المتحوِّر الذي اكتشف لأوَّل مرة في جنوب إفريقيا، لكنَّني لست متأكداً من انتهاء تطور الفيروس. هل نحتاج إلى جرعات تعزيزية الآن؟ لا أظنُّ ذلك. لكن هل ينبغي أن يكون لدينا لقاحات تحت الطلب تحسُّباً لحدوث أي شيء فقط؟ نعم، أعتقد أنَّنا يجب أن نفعل ذلك.
10- ماذا عن الأطفال؟
الأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن 12 عاماً يشكِّلون مسأله شائكة، إذ تشير التصورات إلى أنَّهم لا يصابون بعدوى شديدة، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، لكنَّ بعضهم عرضة للحالات السيئة حقاً. وفي بعض الحالات، يمكن أن يتطوَّر الأمر إلى مشكلة يشار إليها باسم متلازمة التهاب الأجهزة المتعددة.
المشكلة تكمن في أنَّ الكثير من البيانات المتعلِّقة بالمخاطر التي يتعرَّض لها الأطفال تستند إلى وقت كانت تُفرض خلاله عمليات إغلاق، والعديد من الأشخاص كانوا يُعلِّمون أطفالهم من المنزل. كما أنَّ متحوِّر دلتا لم يكن موجوداً بعد، لذلك نحن معرَّضون لمخاطر ارتفاع حالات الإصابة عند عودة الأطفال إلى المدرسة في سبتمبر، وغالباً ما سيكون ذلك دون ارتداء الأقنعة الطبية.
ثم لدينا مشكلة أخرى تتمثَّل في عودة ظهور الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، الذي تمَّ الحد منه بشكل كبير خلال 12 إلى 18 شهراً الماضية، بفضل قيود الإغلاق، وارتداء الأقنعة الطبية. فعادةً ما يكون هذا الفيروس السبب الرئيسي في دخول المستشفى بسبب عدوى فيروسات الجهاز التنفسي الحادة لدى الرضع، والأطفال الصغار، وكذلك كبار السن. إذ يولد معظم الأطفال الرضع بأجسام مضادة واقية تنتقل إليهم من أمهاتهم، لكن هذا لن يكون هو الحال بالنسبة لحديثي الولادة، لذا فإنَّ الخطر يكمن في أنَّ هؤلاء الأطفال يمكن أن يصابوا بكلٍّ من الفيروس المخلوي التنفسي، وكوفيد-19 في الوقت ذاته. نحن ليس لدينا أي فكرة عما يعنيه هذا الأمر في النتائج الصحية.
بلومبرغ الشرق