يستيقظ سعدي بركة عند الفجر ويعمل حتى الغسق، ينقب على ركبتيه في التراب بينما يحاول دفن موتى غزة بكرامة في مقبرة يقول إنّها لم تعد تتسع.
وتمّ توسيع المقبرة في دير البلح وسط قطاع غزة، عدة مرات في الأشهر الأخيرة لاستيعاب تدفق الجثث الذي لا نهاية له.
ويقول بركة إنّه "دفن 16,880 شخصًا منذ أن شنت إسرائيل هجومها على غزة، ردًا على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أي أكثر من نصف القتلى البالغ عددهم 30,631 شخصًا الذين أبلغت وزارة الصحة في القطاع عن مقتلهم".
وتقدر إسرائيل أنّ نحو عشرة آلاف من القتلى هم من مقاتلي "حماس".
قال بركة: "آتي إلى المقبرة الساعة 6 صباحًا وأبقى حتى الساعة 6 مساءً لتجهيز مقابر لـ 30 أو 40 شخصًا.. لقد قمت ببناء 167 مقبرة جماعية. أتمنى فقط أن يرسلوا لنا بعض البلاط والأسمنت حتى نتمكن من دفن الناس بكرامة."
كان بركة، 64 عامًا، حفارًا للقبور قبل وقت طويل من 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكنه يقول إنّ "الفظائع التي شاهدها منذ ذلك الحين، أطفال مقطعة الأوصال، ودفن عائلات بأكملها معًا، وقبور مليئة "بعشرات الأشخاص في كل منها"، كان من الصعب فهمها".
وقال: "أحاول أن أنام، وأقسم أنني لا أستطيع حتى لو تناولت 2 كيلو من الحبوب المنومة".
ويقدر بركة أن حوالي 85% ممن دفنهم كانوا من النساء والأطفال. "لقد قتلوا جميع النساء. لقد قُتلوا جميعًا لأنّهم هم الذين بقوا في المنزل".
ومن بين آلاف الجثث التي تدفقت إلى مقبرته، ادعى أنّه لم يدفن أكثر من ثلاثة من مقاتلي "حماس". وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يكذب عندما يقول إنه يقتل حماس".
وبينما يعمل بركة ورجاله، يحيط بهم أزيز الطائرات الإسرائيلية، بدون طيار ورائحة الموت الكريهة.
ويقول: "بالطبع لها رائحة، فهذه مقابر جماعية". ويتذكر العديد من الموتى بالاسم، مشيرًا إلى بعضهم: "هذه عائلة لاغي، هذه عائلة أبو حسنين، هؤلاء أبو حطاب".
وفي حين أن العديد من القتلى قتلوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، التي ضربت غزة منذ ما يقرب من خمسة أشهر، فإنّ الكثيرين يموتون الآن من الجوع، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وقال فريق منظمة الصحة العالمية يوم الاثنين إنّه وجد "مستويات حادة من سوء التغذية، وأطفالا يموتون جوعًا، ونقصًا خطيرًا في الوقود والغذاء والإمدادات الطبية، ومباني مستشفيات مدمرة"، وذلك خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى شمال غزة.
وجاء هذا التحذير بعد أيام قليلة من مقتل عشرات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء في مدينة غزة الخميس. قُتل ما لا يقل عن 118 شخصًا وأصيب 760 آخرون في حادث استخدمت فيه قوات الجيش الإسرائيلي الذخيرة الحية، بينما تجمع مدنيون فلسطينيون جياع ويائسون حول شاحنات المساعدات الغذائية، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
وبعد الحادث، قامت الولايات المتحدة ولأول مرة بإسقاط مساعدات إنسانية على غزة. وتم إسقاط أكثر من 38 ألف وجبة السبت على طول ساحل غزة في عملية مشتركة قامت بها القوات الجوية الأمريكية والقوات الجوية الملكية الأردنية. وتم إسقاط 36800 أخرى الثلاثاء، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية.
لكن بركة رفض العمليات ووصفها بأنّها حيلة سياسية. وقال: "لا نريدهم أن يسقطوا الوجبات السريعة من الطائرات. إنهم يتباهون".