كيف نظَّم المشترع اللبناني السجون في لبنان، وهل لحظ وجود نظارات لدى القوى الامنية خارج المديرية العامة للامن الداخلي؟ وهل ان الاكتظاظ في السجون يحول دون نقل الموقوفين اليها؟
كان لافتاً اول من امس مضمون الكتاب الذي وجّهه النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، إلى المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وكلّفه بموجبه نقل جميع الموقوفين في النظارات التابعة لمديرية أمن الدولة، إلى السجون التابعة لمديرية قوى الأمن الداخلي بأقصى سرعة ممكنة وإعلامه بالنتيجة.
المشترع اللبناني نظم السجون بموجب مرسوم صدر في العام 1949، ومن ثم ادخلت تعديلات على بعض مواده اكثر من مرة منها في العامين 1995 و2005.
تتوزع السجون في المحافظات وعددها 25 سجناً، وتصل طاقتها الاستيعابية الى نحو 2600 سجين ويمكن ان ترتفع الى نحو 4000.
أما النظارات فيصل عددها الى 260 موزعة على مختلف الاجهزة الامنية وقصور العدل والمرافق (المنافذ الحدودية).
لكن الازمة تكمن في ارتفاع أعداد السجناء وكذلك أعداد الموقوفين التي باتت تعادل ثلثي أعداد السجناء بسبب بطء المحاكمات وتعطل الجلسات لاسباب عدة.
وتفاقمت الازمة بعد جائحة كورونا ومن ثم اضراب القضاة والمساعدين القضائيين وغير ذلك من الاسباب التي فاقمت أعداد الموقوفين وزادت المشاكل في السجون بعدما تخطت قدرتها الاستيعابية بأضعاف.
تخضع السجون في لبنان لوزارة الداخلية على رغم المطالبة بأن تكون خاضعة لوزارة العدل. ففي العام 2013 قررت الحكومة إعادة السجون الى عهدة وزارة العدل وفقاً للقانون، لكن الامر لم يتحقق بعد على رغم تحديد فترة 5 سنوات لتنفيذ قرار الحكومة، علماً ان هناك مديرية عامة للسجون وموظفين تابعين لها في وزارة العدل. ويؤكد وزير الداخلية والبلديات السابق مروان شربل لـ"النهار" ان "القرار اتخذ عام 2013 وتم تأليف لجنة وزارية لوضع مشروع لبناء سجون بمواصفات حديثة وان تكون تابعة لوزارة العدل، وانه تم انجاز دراسة لتلك السجون بلغت كلفتها حينذاك 120 مليون دولار".
ويلفت شربل الى انه في عهد الرئيس ميشال عون تم وضع حجر الاساس لسجن في الشمال ولم يصر الى انجاز المشروع حتى تاريخه. اما عن النظارات فيوضح انها غير ملائمة لابقاء الموقوفين اكثر من 24 ساعة، وهي اصلاً مكان للتوقيف وبعده يصار الى نقل الموقوف الى السجن بقرار قضائي، وهذا الامر لا يحصل بشكل دائم.
اما اماكن التوقيف لدى بعض الاجهزة الامنية فهي ليست سجوناً وانما نظارات لدى مخابرات الجيش والامن العام وأمن الدولة، مع التذكير بانه تمّت اضافة الريحانية الى لائحة السجون وكذلك سجن المحكمة العسكرية.
هناك الكثير من الموقوفين، وحتى اولئك الذين صدرت بحقهم قرارات اتهامية لا يزالون في النظارات لاسباب عدة، منها على سبيل المثال قرارات من النيابة العامة بعد طلبات من محامي الموقوفين أو المتهمين. والقرار يكون بعد دراسته من النائب العام وتقديره للاسباب الموجبة التي يذكرها محامي الموقوف وهو امر يتكرر في اكثر من مناسبة.
وبحسب الخبير الدستوري والقانوني سعيد مالك فإن "النيابات العامة ترتكب مخالفات قانونية من خلال ايداع الموقوفين في نظارات الامن العام وامن الدولة ومفارز الشرطة القضائية حيث تكلّفها لابقاء الموقوفين لديها، وفي هذا مخالفة لقانون اصول المحاكمات الجزائية".
لكن ماذا عن نظارات امن الدولة؟
ليس لوزارة الداخلية صلاحية التدخل في امر الموقوفين لدى امن الدولة، وفي الوقت عينه لا علاقة للمدير العام لأمن الدولة بمسألة طلب نقل سجين من مكان الى مكان آخر، وانما الامر مرتبط بقرار قضائي والمدير العام ينفذ القرار القضائي الصادر عن النيابات العامة المختصة.
أمن الدولة
وامس، اصدرت المديريّة العامة لأمن الدولة مطالعة عن طلب نقل مساجين لديها، تبرر فيها اجراءاتها، تلك التي اثيرت اخيرا حولها الشبهات بعدما عمدت تلك المديرية الى توفير "سجن خمس نجوم" للموقوف داني الرشيد وشقيقه، القريبين من المدير العام، ويعلن الاول انه مستشار له، وجاء في بيان امن الدولة:
"طالعنا عدد من وسائل الإعلام بخبر طلب المدعي العام التمييزي نقل المساجين الموجودين في نظارات المديريّة العامّة لأمن الدولة إلى نظارات وسجون المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي، وحيكت حول هذا الطلب روايات وسيناريوات خيالية لا تمتّ إلى الحقيقة والواقع بصلة، والهدف منها فقط المضي بأسلوب التشكيك والاتهام الذي دأب عليه بعض المغرضين بحق المديرية".
واضاف البيان: "إن المديرية العامة لأمن الدولة إذ تترفّع عن الدخول في مهاترات وسجالات، تكتفي حاليّا بإيضاح النقاط الآتية:
-إن كل موقوف لدى المديرية جاء توقيفه نتيجة إشارة قضائيّة تحدّد النظارة التي سيتم توقيفه فيها.
- سبق للمديرية منذ أكثر من ستة أشهر أن طلبت إلى المعنيين عبر مراسلات خطية نقل المساجين في نظاراتها إلى نظارات قوى الأمن الداخلي، لأنّ الطاقة الاستيعابيّة لديها محدودة".
ولفتت المديرية الى "ان التنسيق قائم منذ فترة طويلة، ولا يزال، بينها وبين المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي، بهدف نقل الموقوفين لدى أمن الدولة إلى نظارات قوى الأمن الداخلي وسجونها، وفقاً لقدرة الأخيرة على الاستيعاب، ونظراً الى الاكتظاظ، ولِكون نظاراتها تعج بضعفي العدد المسموح به لحجز الموقوفين، لا سيّما أن أكثر من أربعين بالمئة منهم من غير اللبنانيّين، ولا إمكانيّة لديها لاستيعاب المزيد. إنّنا نرى أن الحل الأمثل هو أن تعمد وسائل الإعلام انطلاقاً من مبدأ التكافل والتضامن الوطنيّين، الى مقاربة هذه القضيّة من زاوية إنسانيّة، والضغط على الجهات المعنيّة ومنها المنظّمات الدوليّة، للمسارعة إلى إنشاء مراكز توقيف وسجون جديدة تتوافر فيها كلّ الشروط الإنسانيّة والحقوقيّة اللازمة، والكلّ يعلم كلفة إنشائها المرتفعة وإمكانات الدولة اللبنانية في الوقت الراهن".
وختم البيان: "حرصاً على أعلى معايير الشفافية والتعاون في سبيل المصلحة العامّة، فإنّ المديريّة العامّة لأمن الدولة على أتم الاستعداد للإجابة عن أي استفسارٍ أو توضيحٍ عند وجود التباس، بما يسهم في تحقيق هذه المصلحة، ويجنب الوقوع في المغالطات والتضليل".